ملفات ساخنة

خاتمة المعارك!!

خاتمة المعارك!!

لقد أكدت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالمنطقة، إثر التأزم الأخير بين نظام الحكم في بغداد من جهة، وبين ما تبقى من تحالف العام 1990، أكدت وبصورة قاطعة أن الوضع الراهن في المنطقة، قد أصبح هو الوضع المرجح له البقاء، ولفترة زمنية ليست بقصيرة!! لذا فإن بعضاً من التعديلات أصبحت ضرورية لإسباغ شيء من الشرعية والقبول سواء على نظام الحكم في بغداد، أو على بركان التناقض والقلق السياسي القابع في جغرافية وتضاريس المنطقة بشكل عام.
لا شك أن هذه ليست المرة الأولى التي تتأزم فيها العلاقة الدولية مع نظام الحكم في بغداد!! فعلى مدى الأعوام السبعة الماضية، كان مسلسل التمردالعراقي على القرارات الدولية هو السائد، وكان نظام بغداد يعلن تراجعه عن تمرده في كل مرة إذعاناً لإرادة المجتمع الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة، والتي دائماً ما تحدث في اللحظات الأخيرة!!
البعض يرى في الأزمة الحالية مستجدات لم تكن متوفرة في أزمات مشابهة سابقة وهي مستجدات تضفي بعضاً من الجدية على نوايا وتهديدات المجتمع الدولي بالإجراء العسكري ضد العراق!! وباحتمال البدء في برنامج الإطاحة بصدام حسين، وترتيب البيت العراقي من الداخل!! وذلك على الرغم من أن المعوقات الرئيسة لبرنامج كهذا لا تزال هي المسيطرة، فبقاء صدام حسين لا يزال يخدم أهدافاً مطلوبة قد لا يحققها غيابه!! والمعارضة العراقية لا تزال أضعف من أن تملأ الفراغ الذي قد ينشأ عند رحيل صدام حسين!! هذا بالإضافة إلى أن الضرورات التي دفعت للإبقاء على صدام حسين لا تزال قائمة ومنذ هزيمته في العام 1991، حيث يرتبط وجوده وبقاؤه بحسابات الأمن الإقليمي للمنطقة بشكل عام!!
إن ما يدفع الآن إلى استبعاد حسم القلق العراقي عسكرياً هو عدم توفر إرادة استراتيجية وسياسية لمثل هذا الإجراء!! خاصة أن الطفل الصغير يستطيع أن يتبين المقدرة العسكرية للتحالف الدولي، وإمكانية نجاح أي عمل عسكري ضد العراق!! وأن بإمكان القوات الأمريكية وقوى التحالف أن تنفذ أي خيار عسكري تراه إن هي أرادت!! لكن الظروف السياسية والاحتياطات الاستراتيجية بعيدة المدى والبالغة التعقيد تحول دون ذلك!! وهو أمر استطاع صدام حسين أن يسخره في سبيل ضمان استمراره وبقائه لأطول فترة ممكنة!!
نحن جميعاً ولا شك، وفي قلب التأزم والقلق القائم الآن، نراقب التطورات والتحليلات السياسية من حولنا، ونطرح كذلك تصوراتنا الذاتية!! وعلى الرغم مما أثارته هذه الأزمة من قلق وترقب واضحين في هذا الوطن، إلا أن قناعاتنا جميعاً أصبحت مدركة جيداً لتلك المعوقات السياسية والاستراتيجية التي تؤهل الوضع الراهن لبقاء أطول!! ولعل الجديد الوحيد الذي أصبح واضحاً مع اشتعال الأزمة الأخيرة هو تذمر وتضرر قوات التحالف ودولها من الحصار الاقتصادي، والذي لا يختلف كثيراً عن تذمر بغداد منه ومن تبعاته الاقتصادية!! وهو أمر بلا شك يحوي شيئاً من السخرية، ويعكس بعضاً من أخطاء عقلية النظام العالمي الجديد، وحساباته الخاطئة!! لذا فإن سيناريو الأزمة الأخيرة، سيكون سيناريو إلغاء الحصار الاقتصادي وإعادة العراق إلى الحظيرة الدولية، وهو أمر يتطلب أولاً إضفاء شيء من القبول على نظام الحكم في بغداد، سواء إقليمياً أو عالمياً!! أو بمعنى آخر، إعادة تأهيل للعراق دولة ونظاماً، قبل الشروع في طرح مسألة إلغاء الحصار الاقتصادي!!
البعض يرى في مثل هذا التصور، جنوحاً وتطرفاً في التحليل والتفكير!! غير أنه يبقى تحليلاً قائماً، بل ومتفقاً جداً مع غرابة الصراع الدولي، والعلاقة الدولية مع نظام الحكم في بغداد، والتي كثيراً ما أثارت العجب والدهشة!!
رفع الحصار الاقتصادي أصبح مطلباً دولياً وإن كان مستتراً وغير معلن!! وهو أمر يتطلب أولاً إعادة تأهيل للعراق إقليمياً، وتحسين صورة صدام حسين، خاصة بعد أن فقد حاكم بغداد الكثير من بريقه وشعبيته في محيطه الإقليمي، وذلك خلال الأعوام الثلاثة الماضية والتي شهدت جفوة في علاقة العراق ببعض دول المنطقة!! وبالفعل فقد حققت الأزمة الأخيرة ذلك الهدف، وعاد نظام بغداد نظاماً وطنياً مخلصاً، كما عاد صدام حسين معه بطلاً قومياً وزعيماً استطاع أن يقف في وجه الإمبريالية الأمريكية وأعوانها وأن يهدد إسرائيل، ويزرع الخوف والجزع في طرقات تل أبيب وبين سكانها من اليهود!!
كما أن رفع الحصار الاقتصادي يتطلب ثقة دولية بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وهو أمر قد يتطلب هنا إجراء عسكرياً محدوداً جداً يؤهل العراق لأن يقدم أوراق انتمائه من جديد للأسرة الدولية، ويستطيع نظام بغداد من خلاله أن يبني ويمد جسور الثقة مع المجتمع الدولي بعد أن تشهد له الآلة العسكرية بالنزاهةوالنظافة!!
فإذا كان هنالك من جديد يذكر في الأزمة الحالية، فإنه قطعاً لا يحمل جديداً للعراق ولا لشعبه ولا للمنطقة بأسرها!! وإذا كان هنالك من إجراء عسكري، فهو حتماً سيكون محدوداً ومن طرف واحد، يفرضه سيناريو رفع الحصار الاقتصادي تكون بغداد أول المهللين له!! ويرحب به نظام الحكم في بغداد، بعنوان جديد يحمل اسم خاتمة المعارك!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى