ثنائية الصراع.. والحسم في الخليج

ثنائية الصراع.. والحسم في الخليج
تؤكد تطورات الأحداث من حولنا.. يوماً بعد يوم حقائق لم تعد خافية علينا جميعاً!! وهي وإن كانت جدلية مبهمة إلى زمن ليس بالبعيد فإنها قد أصبحت الآن، ومع تطورات أحداث الوطن الأخيرة، واقعاً أصبحنا جميعاً ندركه، وعلينا بالتالي التعايش معه والتعامل بمقتضى ما أصبح يمليه ذلك الواقع، ولكي يصبح الأمر أكثر وضوحاً فإن ما نعنيه هنا هو ما يتعلق بقضية حسم الصراع.. في منطقة تعد من أكثر المناطق قلقاً واضطراباً، منطقة الخليج بشكل خاص، ومنذ ثمانينيات هذا القرن.. ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام.. ومنذ منتصف القرن.
فبينما يأتي الحسم وخاصة العسكري.. لطرف.. في مواجهة طرف آخر كنهاية منطقية لأي صراع ينشأ فإن ذلك لم يكن حال ولا نهاية أي من الصراعات التي اشتعلت في منطقة الشرق الأوسط عموماً!! على الأقل في تاريخها الحديث!! اللهم.. إلا إذا ما اعتبرنا الحسم العسكري المؤقت في حرب 67 حسماً حقيقياً، خاصة وأنه قد فتح جبهات جديدة للصراع العربي الإسرائيلي ولم ينهها هذا بالإضافة إلى حرب الاستنزاف التي تلت ذلك في عاميْ 68 و69، والتي جردت حرب 67 من كونها حسماً عسكرياً لصالح إسرائيل!! ولعلنا لسنا بحاجة هنا إلى الدخول في الجدل الذي غالباً ما يثار حول حرب 73، وعما إذا كانت تشكل حسماً عسكرياً لصالح العرب، أم أنها كانت أولى خطوات العرب في درب التنازل والاستسلام!! الآن ونحن نعيش أزمة جديدة تتدافع معها التحليلات السياسية والتكهنات المستقبلية.. بل ولم يُستثن منها أحد، وحتى علماء النفس في محاولة منهم لإرجاع ذلك التأزم السياسي والأمني، إلى خلل في شخص ونفسية صدام حسين نفسه!!
ونحن الآن في آتون الأزمة، يرتفع السؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا يستمر القلق والاضطراب في منطقة الشرق الأوسط عموماً؟ ومتى يتوقف التقاتل والتناحر والصراع ويعم الاستقرار والأمن؟
لا شك أن جانباً كبيراً من أسباب استمرار الصراع في المنطقة يعود أساساً إلى قضية الحسم!!
وما استمرار الصراع الإيراني – العراقي.. إلا انعكاس لتلك الحقيقة!! وإذا كان الحسم العسكري مفقوداً في المثال الإيراني – العراقي!! فإن فقدان الحسم السياسي بين دول الخليج، والتي تمزقها صراعات حدودية صامتة يعد من أهم مسببات الإخفاقات المتتالية للخروج بقرار وعمل خليجي موحدين.. بخلاف مجلس التعاون الذي أثبت فشلاً ذريعاً في التعبير عن قضايا الدول الخليجية، وتبني احتياجات شعوبها!
لا أعلم شخصياً مدى توافق ذلك مع الاستراتيجيات العسكرية والسياسية! لكن المنطق وأصوله يقول بأهمية الحسم كعامل أساسي في جلب الاستقرار، سواء كان ذلك في شؤون وقضايا سياسية أم لا!!
غير أن “أنطوني ليك”.. مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، لا يبدو أنه متفق مع ما يفرضه المنطق، وما تقتضيه أصوله!! ففي طرحه للأسلوب الأمريكي لإدارة الخليج، المتمثل في (نظرية) الاحتواء المزدوج!! يرى “ليك” أن الحسم (الخاطئ) قد كان سبباً مباشراً في كوارث المنطقة!! وهو على الرغم من كونه حسماً مدعوماً من قبل الولايات المتحدة إلا أنها كانت أول من دفع فاتورة تبعاته!! خاصة وأن الدعم الأمريكي لحكم الشاه في إيران، كقوة إقليمية للاستقرار.. ومن بعده “صدام حسين” في حربه مع إيران للحد من نفوذ حكومة (آية الله) الخميني!! قد برهنت نتائجه أن كلتا حالتيْ الحسم المدعوم قد جلبت الكوارث!!
نحن منطقة صراع ليس في ذلك شك والصراع بحد ذاته كلمة توحي بوجوب الحسم بقصد بلوغ الاستقرار!! وجانب كبير من استمرار الصراع وبقائه يكمن ولا شك في القفز على مراحله وتجاوز أو تخطي ما يتطلب عبوره تأنياً وصبراً ومثابرة!! ذلك بالإضافة إلى زيف مقومات الحسم المستوردة من خارج نطاق منطقة الصراع وافتعال الشخوص والأدوار فيها!!
ولكي نهبط من الواقع النظري إلى الواقع العملي والتطبيقي فيما يتعلق بحتمية الصراع في المنطقة ومتطلبات عناصر الحسم!! علينا أولاً أن نتعمق في أصول وجذرية الصراع في المنطقة سواء كان ذلك صراعاً عربياً – إسرائيلياً أم صراع زعامة وقيادة على المستوى الإقليمي في منطقة الخليج!! وذلك قبل أن ننطلق منها في تحديد عناصر الحسم الواجب توافرها!! خاصة وأن الغرب على ما يبدو قد حسم المسألة.. وكما عبر عن ذلك وزير الدفاع الأمريكي السابق “ديك تشيني” بقوله: “إن منطقة الخليج ستظل حيوية بالنسبة للولايات المتحدة.. سواء بوجود صدام حسين أو عدمه!!”
