تانيا!

تانيا!
تانيا، “فتاة” في الخامسة والثمانين من العمر! عاشت نصف عمرها في الكويت! وقبل أن أسترسل في حديثي عن “تانيا” أود أولاً أن أشير هنا إلى أن كلمة فتاة ليست خطأ مطبعياً ولا هي خيانة في التعبير، وإنما هي بالتحديد ما ينطبق على تانيا! فالشباب والحيوية لا يقاسان بعدد السنين! هذا هو منطق تانيا وفلسفتها في الحياة، وهي الفلسفة التي أمنت لها بالفعل روحاً شابة، ونفساً تنطق حيوية على الرغم من تقدمها في العمر!
تانيا هذه، عالمة في علوم الميتافيزيقيا، أو ما وراء الطبيعة، وفي فنون اليوغا والتأمل والاسترخاء، قدمت إلى الكويت في عام 1964، ومنذ ذلك الوقت وهي تسكن في شقتها التي استأجرتها منذ أول قدومها إلى الكويت! لا تغادر “تانيا” الكويت إلا في شهري يوليو وأغسطس، تقضيهما في فيينا مسقط رأسها ووطنها، لتعود بعدها إلى الكويت بلهفة وشوق! المرة الوحيدة التي قضت فيها تانيا أشهراً في النمسا بعيداً عن كهفها – وكما تحب أن تطلق على شقتها في الكويت – كانت إبان الغزو العراقي للكويت! تلك الفترة كانت، وكما تقول تانيا، فترة نفي قسري أجبرتها فيه الظروف أن تغيب كل هذه المدة عن الكويت! لذلك فهي تكره صدام حسين الذي هدد أمنها في الكويت، تماماً كما كرهت “هتلر” الذي هدد استقرارها في النمسا! وعلى الرغم من أن فلسفة “تانيا” لا تؤمن بالكراهية فإنها وجدت نفسها مجبرة هنا أن تتنازل بعض الشيء عن تلك الفلسفة، لأنها لم تكن قادرة على ألا تكره “هتلر” وقد عانت منه في شبابها حين دمر أرضها وشرد أهلها! وللسبب ذاته وجدت نفسها محاصرة بدافع الكراهية لصدام حسين الذي دمر وطنها الثاني الكويت وشردها!
تدخل عالم “تانيا” فتحس بوهج الحياة والحيوية، وتشعر بمدى إفراطك في التشبث بماديات الحياة بصورة تدخلك في دوامة القلق والتوتر! صديقها الكتاب، ورفيقتها رياضة اليوغا، والتأمل، المغريات والماديات من حولها، لا تحرك فيها ساكناً، لذلك فهي لا تتقاضى على دروس اليوغا والتأمل إلا ما يؤمن لها لقمة كريمة! لا شيء يقلقها أبداً إلا أن تدفع الظروف بها وتضطرها إلى مغادرة الكويت! وبخلاف ذلك فإن الأمور لديها سواسية!
علاقتي بتانيا شخصياً تعود عشرين عاماً إلى الوراء! التقيتها عام 1987 في أحد دروس اليوغا، واستمرت علاقتنا حتى اليوم، تعلمت منها الكثير، ولا أزال، فهي منجم ثمين من الحكمة والتوازن والشفافية، هدفها الوحيد في الحياة، أن تمرر تجاربها وفكرها وفلسفتها إلى أكبر عدد من الناس! فالحياة بالنسبة لتانيا هي استمرار حلقة المعرفة والحكمة بلا انقطاع! فالكلمة بالنسبة لتانيا هي أساس الوجود، منها انطلق كل شيء، وفيها يختبئ كل شيء.
