بعضنا متساوون أكثر من الآخرين

بعضنا متساوون أكثر من الآخرين
جورج أورويل صاحب رائعة “مزرعة الحيوان” ورواية 1984، قال ذات مرة معلقاً على الحروب بشكل عام وعلى ما يلحق بالبشر من كوارث وأزمات ومآس: “كلنا متساوون، ولكن بعضنا متساوون أكثر من الآخرين”. مقولته هذه تنقلنا مباشرة إلى ردود الفعل الدولية، رسمية كانت أم شعبية، على الحرب في أوكرانيا، مقارنة بما يحدث في أفريقيا من حروب وتهجير وقتل وانقلابات ومآس يعجز اللسان عن وصفها. فمن حرب السودان المدمرة، إلى انقلاب النيجر المناهضة لفرنسا، ولقِمّة “إكواس” التي انتهت إلى احتمال تدخل عسكري محتمل في النيجر إثر انقلاب الشهر الماضي، مع ما يعنيه ذلك من توالي الصراع والحروب في مالي وبوركينا فاسو، وهكذا.
دعاية
أفريقيا اليوم هي ساحة صراع مفتوحة بين الدول العظمى، أو بين واشنطن وموسكو وبكين، وهي حرب باردة جديدة خرجت شرارتها في حرب أوكرانيا التي تجاوزت العام ونصف العام، وها هي اليوم تخيّم على أفريقيا بالكامل محمّلة بكل أوزار الحروب ودمارها.
الصراع على القارة الأفريقية ليس جديداً، فلقد كانت ولا تزال مواردها الخام وثرواتها مصدر إغراء جَذَب المقامرين والطامعين من دول الغرب وشركاته ورجال أعماله، حيث تمتلك القارة السمراء نحو ثلث ثروات العالم المعدنية، وفيها %65 من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. ومع ذلك، فإن شعوبها هي الأفقر في العالم، فكل هذه الثروات والمقدرات ليست ملكاً فعلياً لأهلها، بل تتنازع على ملكيتها دول العالم القوية و”المتقدمة”، تاركة البؤس والدمار لأهلها الأصليين، ومثلما حدث في أمريكا وأستراليا مع السكان الأصليين، فإن المشهد اليوم يتكرر في أفريقيا ومع شعوبها وثرواتها المستهدَفَة.
قد لا تكون هنالك قوانين إنسانية في الحروب والأزمات، وهذا واقع نعرفه وندركه من التاريخ، وإذا كانت الحرب ظاهرة منتشرة ويصعب الحد منها أو التحكّم في تواترها، فإن التعامل مع تداعياتها، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هو الذي يضاعف من ضراوتها وبشاعتها. رأينا ذلك واضحاً في ردود الفعل الدولية لأزمة اللاجئين الأوكرانيين مقارنة باللاجئين من دول الشرق الأوسط ومن أفريقيا، ورأينا كيف تناولت أجهزة الإعلام في كل مكان قضية اللاجئين الأوكرانيين حين وصفتهم بأنهم “بيض يشبهوننا ويقودون سيارات”!!
على الصعيد الرسمي والعالمي، تأتي الأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلحة وعدم الأمن الغذائي، وتغيّر المناخ والرعاية الصحية الأساسية، كمخاطر مشتَرَكة تهدّد الأمن البشري بشكل عام، لكن على الصعيد الخفي أو الذي يُمارَس بمعزل عن الإعلام وأدواته، تختلف الراوية كثيراً هنا، وتصبح معها شعوب أفريقيا ودولها أكثر تحملاً للحروب وويلاتها، ويستحق اللاجئ السوري أو الصومالي ركوب مخاطر قوارب الموت، بينما يتم نقل اللاجئين الأوكرانيين بالطائرات والقطارات، ولتصدق هنا مقولة جورج أورويل في روايته مزرعة الحيوان، حيث قال: “جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها”، أو كما ذكر في موقع آخر وبشكل ساخر: “إن المساواة بين البشر لم تعد غاية سامية تستحق النضال من أجلها، وإنما خطر يجب تفاديه”.
