اليوغا تضع كل طاقتك.. في خدمتك!

“اليوغا” تضع كل طاقتك.. في خدمتك!
التوجه نحو الرياضة الجسمانية توجه يسود العالم بأكمله في الفترة الحالية. فقد ازداد تيقن الفرد في العالم بأهمية الرياضة اليومية.. وأثر ممارستها بصورة مستمرة على صحته الجسمانية.. سواء في الشكل الخارجي من تخلص من السمنة.. إلى لياقة ومرونة أكثر.. أو في الشكل العضوي الداخلي.. ولما للرياضة من أثر إيجابي على أجسامنا جميعاً.. وقد ازداد إدراك المواطن في الكويت بأهمية الرياضة.. مما جعل الدولة تؤمن مناطق خاصة لرياضة المشي.. جداً بالإضافة إلى النوادي الرياضية.. والنوادي المنتشرة الآن في الكويت.
إلا أن الإنسان غالباً ما ينسى السبب الرئيسي في كل ما يشكو منه من أمراض سواء عضوية أو نفسية.. ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا أن السبب الأساسي في كل الأمراض.. هو العقل.. وتلك حقيقة استطاع الطب الحديث التوصل إليها.. فالقلق.. وهو أكثر الأمراض النفسية شيوعاً.. يقلل من درجة مناعة الجسم بصورة كبيرة قد لا نعيها.. وبحيث يصبح الجسم عرضة للأمراض المختلفة.. فلقد أثبت الطب الحديث أن الفرد يصبح أكثر عرضة للإصابة بأمراض البرد والإنفلونزا إذا ما كان قلقاً ومكتئباً.
ومن هنا جاء اهتمام الطب الحديث بالجانب الخفي لمسببات الأمراض.. وهو الجانب العقلي أو النفسي.. والذي أدركته الفلسفات الهندية القديمة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.. وهو تاريخ “اليوغا” أقدم وأعرق الفلسفات والتي اهتمت بفكرة اتحاد الإنسان بروحه أو بعقله.. لذلك ظهرت “اليوغا” ومنذ ذلك الوقت بدأت كرياضة للجسم والروح معاً.. وهي رياضة تكفل للإنسان التخلص من الأعراض الجسمانية والنفسية إذا ما مورست بصورة مستمرة ودائمة.
وهذه الرياضة أثبتت فعاليتها في مجالات كثيرة.. ويستطيع أن يمارسها الجميع.. وفي كل الأعمار.. وهي رياضة لا تعتمد على الحركات العنيفة والقوية.. وإنما تقوم أغلب تمارين “اليوغا” على حركات سهلة وخفيفة يصاحبها تحكم في عملية التنفس.. والتي هي أساس كل حركات اليوغا (Asanas) وقد نجحت تمارين “اليوغا” في مساعدة الكثير من معالجة الأرق.. ومشاكل الهضم.. وآلام العضلات كما أنها استخدمت كوسيلة للولادة بألم أقل جداً.
التنفس السليم
تركز “اليوغا” على أهمية التنفس.. وعلى الرغم من أننا جميعاً نتنفس بصورة طبيعية.. إلا أن عادة التنفس السليم نكتسبها فقط من ممارسة رياضة التنفس الصحيحة والتي تشكل أهمية قصوى في كل تمارين “اليوغا”.. فنحن دائماً ما نعمل على تجويف البطن إلى الداخل في عملية الشهيق.. وهو خطأ فادح.. فالشهيق الصحيح والذي يضمن أكبر قدر من الأوكسجين هو في ترك تجويف البطن يتسع إلى الخارج قدر استطاعتك.. وفتح الأضلع.. حتى تأخذ الرئة أكبر قدر من الهواء.. ثم إطلاق الهواء في عملية الزفير.. والتي تعمل على إدخال منطقة البطن بقوة.. مع الانتباه إلى أن التنفس يجب أن يكون عن طريق الأنف فقط. وقد تشعر في البداية بدوار قليل.. وألم في منطقة البطن.. وذلك لأن كمية الأوكسجين التي دخلت إلى الرئة هي أكبر مما اعتادت رئتاك عليه.. إلا أن ذلك سرعان ما ينتهي.. مع الاستمرار في اتباع أسلوب التنفس الصحيح.
أسلوب في الحياة
لقد عاش “بنتاجالي” “Patanjali” مؤسس اليوغا في القرن الثالث قبل الميلاد.. واتباعه الـ “اليوغي” “Yogi” والتي تعني اتباع فلسفة الـ “yoga”.. كانوا يعتبرون مدرسين أو ما يسمى في “اليوغا” بـ “Gurus”.. وقد سخروا حياتهم لتلك الدراسة والممارسة.. فأصبحت هي أسلوبهم في الحياة.. ولا زال اتباع “اليوغا” يعيشون في أنحاء كثيرة من العالم.. وإن كان مركزهم الأساسي هو “الهند“.. ويقومون بأعمال قد يخيل للإنسان العادي أنها أعمال خارقة.. ولكنهم يرجعون كل ذلك إلى ممارستهم “لليوغا” فاليوغا هي أسلوب يتعرف من خلاله الفرد على قدراته الخفية والتي لا يكون مدركاً لها من أغلب الأحيان.. وهي أسلوب يوفر للفرد أيضاً القدرة على إدراك ذاته.. ويتوصل ممارس اليوغا لهذه الدرجة من الإدراك النفسي وذلك بمحاولة التأمل في نفسه داخلياً.. وبعيداً عن العالم الخارجي. وبحيث يعمل على تأمل حركة التنفس.. في شهيقها وزفيرها.. والأداء الحركي الذي يؤديه خلال عملية التنفس.
إن تخصيص عشرين دقيقة أو نصف ساعة من اليوم لممارسة “اليوغا” تؤمن للجسم انتعاشاً وحيوية.. وللعقل هدوءاً وسعادة أكثر.. فليس هناك فاصل يفصل بين الجسم والعقل، إلا أن البعض قد يتردد في إيجاد فرصة يومية للقيام بتلك التمارين.. لكن النتائج الإيجابية التي سيشعر بها ممارس “اليوغا” ستجعله يدرك أهمية أن يخصص وقتاً للممارسة. فلو أدرك كل منا العلاقة بين ذلك الإحساس النفسي وتلك الأوضاع التي نتخذها عند ممارسة تمارين “اليوغا” لتيقن من أهمية “اليوغا” كدراسة ورياضة تفيد الجسم والروح معاً.. وحتى نستطيع أن ندرك تلك العلاقة سنحاول أن نتصور الجسم كمجموعة من الأجهزة المعقدة.. التي يتحكم فيها العامود الفقري وأن هناك ما يزيد عن أربعمائة عضلة تقوم بتحريك العمود الفقري.. وأن هناك أيضاً ما يوازي ذلك العدد من الأعصاب والشرايين الدموية.. والتي تغذي حركة العامود الفقري.. وأن حركات “اليوغا” وأوضاعها تعمل على تشغيل وتحريك كل ذلك الكم من الأجهزة الجسمانية.. وحيث أننا كبشر نقوم بكل تلك العمليات الجسمانية دون أن ندركها.. فإن الاستفادة القصوى ستأتي حينما ندرك كل تلك الأجهزة.. ونبدأ في التحكم بها من خلال ممارسة اليوغا.. إلى أن نصل إلى المرحلة المتقدمة من الممارسة والتي يتم فيها اختبار الأوضاع التي تلائم احتياجنا.
لقد تحدثت الأساطير الهندية عن الإله (شيفا) “Shiva” بأنه كان يمارس ثمانية وأربعين ألف وضع وتمرين.. إلى أن جاء “patanjall” أب “اليوغا” وجعلها ثمانية وأربعين وضعاً فقط.. الشائع منها أربعون وضعاً فقط.. يمكن القول بأنها أسهل تمارين “اليوغا”.. إلا أنها تتطلب صبراً وتركيزاً كبيرين.. وفي حالة وجود أي صعوبة في ممارسة أحد تمارين “اليوغا” يمكن التوقف عنه… واستبداله بتمرين آخر.. وبحيث تقود الممارس “اليوغا” وقدرته في آن واحد لاختيار تمرين ما… وعليه دائماً أن يتذكر أن مغزى “اليوغا” أن تؤدي ما تستطيع أداءه… دون عنف ولا إجبار… فهي رياضة لا تعني المنافسة بقدر ما هي إرضاء لحاجة الجسم لحركات معينة… تساعد أعضاء الجسم المختلفة على القيام بعملياتها على أكمل وجه.
ولإيضاح تلك النقطة… سنتحدث قليلاً عن آثار “اليوغا” في إحدى العمليات التي يقوم بها الجسم… وهي عملية الهضم. فكما نعرف أن أجهزة الهضم هي المعدة… الأمعاء الدقيقة… البنكرياس… الكبد… وأن تلك الأجهزة إجمالاً تعتمد بشكل أساسي على عضلات البطن… خاصة عضلة الحجاب الحاجز. وعند القيام بعملية التنفس الصحيح… والتي يرتفع بواسطتها الحجاب الحاجز وينخفض… فإن الأجزاء الأمامية للتجويف البطني تتعرض لما يشبه عملية “المساج” أو التدليك بمقدار أربعين أو خمسين مرة في الدقيقة، تجعل عضلات البطن أكثر مرونة. بينما يعمل التنفس الخطأ على ترهل عضلات البطن الداخلية… مما يجعل المعدة تفرز الأحماض مسببة في صعوبة الهضم. ولا داعي لذكر أهمية عملية الهضم الصحيحة على باقي أعضاء الجسم بما فيها المخ… حيث يعمل وصول كمية من الغذاء عن طريق الهضم الصحيح إلى المخ… في التأثير على الذاكرة… والحيوية… وتطوير قدرات التفكير.
قد لا تستطيع في البداية ممارسة كل التمارين في رياضة “اليوغا” أو قد تعجز عن أداء حركة ما بدقة متناهية… ولكن وكما ذكرنا من قبل فإن “اليوغا” أساساً ليست رياضة تنافسية… لذلك فلا داعي للقلق في حالة الفشل في البداية… أو في وجود بعض الصعوبة في الابقاء على الوضع أو الحركة مدة كافية… وتذكر دائماً أن الهدف من “اليوغا” هو استخدام أجهزتك الجسمانية بكامل طاقتها.. وليس بأكثر من طاقتها.
شروط مسبقة
هنالك بعض الشروط الواجب اتباعها قبل ممارسة تمارين “اليوغا” ومن هذه الشروط.
أولاً: يراعى أن تكون المثانة والأمعاء فارغة قبل البدء بأي تمرين من تمارين “اليوغا” كذلك يمكن أن تكون “اليوغا” أكثر متعة وفائدة بعد حمام منعش وكذلك يمكن الاستحمام بعد الانتهاء من الممارسة.
ثانياً: يفضل ممارسة “اليوغا” بمعدة فارغة… وإذا كان متعذراً فيمكن تناول الشاي أو الحليب قبل البدء بساعة على الأقل، وبالإمكان تناول الطعام بعد الانتهاء بنصف ساعة.
ثالثاً: يستحسن ممارسة “اليوغا” في الصباح الباكر… أو في نهاية اليوم في المساء… حيث تعمل على إزالة التعب والإرهاق وضغط العمل. كما يفضل ألا تمارس “اليوغا” بعد التعرض للشمس الحارة ولعدة ساعات.
رابعاً: يجب ممارسة “اليوغا” في مكان نظيف الهواء… وتستخدم قطعة من القماش على أرض متساوية… ويفضل الابقاء على العين مغلقة بعد التمكن من التمارين. مع ملاحظة الابقاء على المخ في حالة استرخاء تام.
أوضاع مختلفة
قد تبدو بعض التمارين سهلة للغاية… كهذا التمرين الذي يطلق عليه الـ “MOUNTAIN” أو الجبل… حيث يقف الشخص مستقيماً… بضم الرجلين… وبحيث يلتصق كعبا الرجلين ببعضهما… ويتلامس الإبهامان.. مع شد الركبة.. بحيث ترتفع إلى أعلى… وشد عضلات الظهر والورك جيداً. وتشفط المعدة إلى الداخل.. مع الإبقاء على الصدر إلى الخارج.. والرقبة مستقيمة تماماً. أثناء ممارسة هذا التمرين.. يحاول الشخص أن لا يضع ثقل جسمه على كعب القدم.. أو على الإبهام.. بل يوزع الثقل بالتساوي بينهما. وتوضع اليد مستقيمة.. وبعيدة عن الجسم.. ويكون الكفان باتجاه الجسم.. وعلى الرغم من سهولة هذا الوضع.. إلا أن ممارسته باستمرار تحسن من طريقة الوقوف.. حيث يسبب الوقوف الخطأ في التأثير على مرونة العمود الفقري.. ومن ثم على الجسم بأكمله.
من الأوضاع الشهيرة وضع الجمل أو Camel.. ويتم هذا التمرين بالوقوف على الركبتين. وأخذ نفس عميق من الأنف.. مع ضم الأرجل.. وفرد أصابع الرجلين على الأرض. ثم توضع اليدان فوق الورك.. مع إرجاع الظهر إلى الوراء قليلاً. يطلق الزفير من الأنف.. مع وضع اليد اليمنى على القدم اليمنى.. واليد اليسرى على القدم اليسرى، ثم يضغط باليدين على القدمين.. ويلقي بالرأس إلى الخلف.. وبحيث يقترب العمود الفقري من الفخذين: مع الإبقاء على هذا الوضع لمدة نصف دقيقة.. والتنفس بصورة عادية، ينتهي التمرين بإعادة اليدين إلى الورك.. ثم الجلوس على الرجلين والاسترخاء لمدة عشر ثوان، هذا التمرين مفيد جداً للذين يعانون من تحدب الظهر.. أو ترهل الكتفين، حيث يتم تدليك العمود الفقري بأكمله.. ويمكن على الذين يعانون من مشاكل في العمود الفقري ممارسة هذا التمرين بسهولة.
قد يكون من الصعب بمكان التعرف على تمارين “اليوغا”.. وتقييم منفعتها.. دون القيام بها وأدائها فعلياً.. تبقى التجربة خير برهان.
إن أداء تمرينات “اليوغا” يومياً وبانتظام يهيء الجسم والعقل معاً لكافة الأنشطة الأخرى.. حيث أنه وبخلاف التمارين الرياضية المعتادة.. فإن الجسم يكتسب طاقة أكثر.. ويصبح أكثر قدرة على القيام بالأعمال الجسمانية والذهنية على حد سواء.. وذلك بعد أداء تمارين “اليوغا”.. وقد استطاعت بعض الأجهزة الطبية الحديثة بالفعل قياس مقدار الطاقة التي يكتسبها الجسم بممارسة “اليوغا”.
استرخاء العقل
إن المغزى الأساسي وراء ممارسة رياضة “اليوغا” هو خلق حالة من الانسجام التام مع الوجود من حولنا.. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا استطعنا أن ندرك القوة الكامنة داخل كل واحد منا.. والتي لا تمكننا من التحكم في أجسادنا فقط وإنما في كل ما يحيط بنا. إضافة إلى أن تمارين “اليوغا” تعمل على تدريب العقل وتنشيطه.. والتوصل بذلك إلى إحساس عميق بشمولية الوجود من حولنا.. مما يؤدي إلى خلق حالة من الانسجام والرضا.
فلو أمكننا ولو للحظات قصيرة أن نجعل العقل يسكن ويسترخي لحظة.. وذلك عن طريق ممارسة “اليوغا” مع التنفس الصحيح والتركيز على نقطة معينة.. فإننا سندرك مدى “السعادة” التي تحاول حالات الصراع والتوتر اليومي أن تخفيها.
إن “اليوغا” تساعد الإنسان إذا ما مارسها بانتظام أن يعيش في سلام مع الآخرين.. وتجعله يتخلص من الكثير من العادات اليومية الخاطئة.. إضافة إلى فائدتها الصحية والتي استطاع الطب الحديث أن يؤكدها مخبرياً.




