شئون دولية

اليابان ترفض فتات المائدة

اليابان ترفض فتات المائدة

استضافت الجمعية الاقتصادية الكويتية في احتفالها بمرور 25 عاماً على تأسيسها.. الدكتور “حازم الببلاوي” وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. والدكتور “الببلاوي” من الرواد المشهود لهم ببعد النظر.. وبالتجرد والموضوعية في الطرح… بل قد يكون من أول الذين تناولوا أزمة الخليج وعالجوها من منظور عام وشامل.. لا يخلو من الموضوعية البحتة.. وذلك من خلال كتابه “بعد أن يهدأ الغبار” حيث طرح الدكتور “الببلاوي” برنامجاً للعمل.. يهدف إلى الخروج من تلك الأزمة العاصفة بدروس وعبر تعود على المنطقة العربية بأكملها بالعوائد الإيجابية!! وعلى الرغم من أن كتاب الدكتور “الببلاوي” قد صدر في بداية تفجر الأزمة.. حيث كان الجدل الأول حول من يخرج منتصراً من عاصفة الغبار التي أثارها غزو النظام العراقي للوطن.. إلا أن الدكتور “الببلاوي” حملنا بكتابه ذلك إلى ما يمكن أن يحدث في أعقاب العاصفة.. وذلك بعد أن يهدأ ما أثارته من غبار.
لم يخرج الدكتور “الببلاوي” في لقائه مع الجمعية الاقتصادية الكويتية عن إطار تلك المقدرة التحليلية حيث طرح الملامح الاقتصادية الرئيسية للمرحلة الآنية والتي دشنتها مبادرة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.. مشيراً إلى عامل النمو المهم للتجارة الدولية.. وإلى سيطرة الشركات متعددة الجنسيات!! وكذلك تعرض الدكتور “الببلاوي” في حديثه الشيق إلى ملامح اقتصادية كثيرة.. بدا فيها متفائلاً بالمستقبل الاقتصادي.. أو لنكون أكثر دقة.. متأملاً بمستقبل أفضل.. وهو للأسف ما أصبح العالم يحن إليه.. وإن كان لا يأمل فيه.. مع رجحان ميزان اللاعدالة في التبادلات والعلاقات التجارية فيما بين الدول!! وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الحرب التجارية الخفية التي تديرها واشنطن.. لكبح جماح أي طموح صناعي أو تجاري تجرؤ عليه أي دولة من دول العالم الثالث!! وهو تماماً ما تجرأت عليه اليابان حين حاولت أن تلحق بخطى العالم الصناعي.. مثيرة بذلك قلقاً.. دفع بواشنطن إلى فرض تعريفات عقابية نسبتها 100 بالمائة على 13 طرازاً من السيارات اليابانية الفاخرة!! وبحيث يكون ذلك القرار سارياً ابتداء من نهاية يونيو إذا لم تفتح اليابان أسواقها أمام السيارات الأمريكية وأجزائها!!
أمريكا لا تنتهك قواعد وأخلاقيات التعاملات التجارية فيما بين الدول وحسب!! وإنما تنتهك ما وضعته وصاغته من قوانين لتنظيم تلك التعاملات!! فواشنطن هنا تنتهك التزاماً قطعته على نفسها بمراعاة قواعد منظمة التجارة العالمية.. وتنكر على اليابان حقاً لها بموجب الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة المعروفة بـ”الجات”!!
خطورة الخلاف التجاري القائم الآن بين واشنطن وطوكيو هو أنه لا يعني خلافاً اقتصادياً وحسب.. ولا يخص اليابان وحسب!! وإنما هو خلاف إدارة.. ويشمل العالم بأكمله!! والجدل الذي كان دائراً حول جدارة الولايات المتحدة ومقدرتها على الزعامة وقيادة العالم.. أصبحت جوانبه السلبية طاغية.. إلى حد لم يعد هنالك وجه إيجابي يمكن الحديث فيه!! فالعجز الأمريكي في يوغسلافيا السابقة عن كبح جماح الجشع الصربي، ووضع مخرج للحرب التي أكلت الأعراق جميعها فيما تبقى من يوغسلافيا!! كان أول ملامح الإخفاق الأمريكي في إدارة نظامه العالمي الجديد!! ومثلما كان العجز الأمريكي في إدارة الحرب.. كذلك جاء عجزها عن إدارة السلام الذي تطمح إلى إرسائه في منطقة الشرق الأوسط!! فكان أن وقفت طرفاً في الصراع.. لا حكماً فيه.. منسقاً ومصالحاً لأطرافه.. وناقضت أسس السلام والاستقرار.. وعززت الحق الإسرائيلي في الاحتلال!! تماماً كما ناقضت راعية الديمقراطية.. والحق الجماهيري.. مبادئها.. حين آزرت الرئيس الروسي “يلتسين” في صراعه وتحديه للبرلمان المنتخب والمدعوم من الجماهير!!
في المثال الياباني الآن.. قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يتفق فيها التحرك الأمريكي مع المبادئ الأمريكية السائدة!! وتتحرك فيها واشنطن وفقاً لدوافع هي من صلب النظام الأمريكي.. لا لشعارات تروج لها واشنطن في إعلانها عن النظام العالمي الجديد!! في المثال الياباني ارتدت أمريكا ثوبها الحقيقي.. وتحركت بدافع رأسمالي صلب ومتشدد قادها إلى السيطرة العالمية.. من خلال تسخير شعوب وثروات وأراض.. ظلت متدلية الرأس.. ومنحنية الظهر.. تقتات على فتات موائد الرأسمالية!! لذا فإن استقامة الظهر الياباني.. واعتذاره عن موائد الفتات لا يعني تمرداً وعصياناً وحسب.. وإنما يفتح بارقة أمل لشعوب كانت وما زالت قرابين الرفاه الرأسمالي!!
ما يقلق أمريكا الآن أن قوانين الترويض التي فرضت على اليابان في أعقاب انتهاء الحرب الثانية.. لا تشمل المعلومات والبيانات.. ومشتقات الكمبيوتر ومتطلباته!! والثورة المقبلة ليست ثورة طاقة ولا سلاح.. والغلبة فيها لمن يسخر عالم البيانات.. لرفع راية الثورة التكنولوجية الحديثة!!
والقامة اليابانية بلغت حداً من الاستقامة يؤهلها ولا شك لرفع الراية!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى