ملفات ساخنة

الورقة الفلسطينية بين إيران والعرب

الورقة الفلسطينية بين إيران والعرب

باستثناء الشعوب العربية، لم يقف نظام سياسي أو حزب أو تيار عربي مع القضية الفلسطينية وقفة جادة، بل كانت القضية دائما ورقة يلعب بها كل بحسب أهدافه ومشاريعه السياسية، تم استخدامها في تبرير الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية وصراعات السلطة… وهكذا.
الساحات العربية، اليوم، تقف مشدوهة، مع مرور أكثر من ستة أشهر من حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في حق الأبرياء في غزة، تستغرب هذه الساحات حالة الصمت العربي المؤسف والمريب تجاه ما يحدث في غزة، من إبادة وتجويع وتهجير، يقف العالم أمامه مذهولاً، ويتحرك في تظاهرات واحتجاجات وبيانات، بينما تصمت معظم الحكومات العربية تماماً، وكأن ما يحدث لا يمسها بأي شكل من الأشكال، في حين تتجاهل الجيوش العربية النظامية صرخات الثكالى والأطفال، وتستمر معها جرائم الكيان الصهيوني تحت الشمس، وأمام كل الأنظار والضمائر المستترة خلف العجز.
ثم يأتي من يستنكر لجوء “حماس” أو حركة الجهاد أو أي من فصائل المقاومة الفلسطينية إلى إيران، وينتقد البعض فيهم تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أثناء زيارته لإيران حول احتمال انتقال قادة الحركة إلى طهران. بينما يتجاهل هذا البعض التسريبات التي تتناول لقاء مندوب عن الحزب الجمهوري الأمريكي مع رئيس اللجنة الاستراتيجية للسياسة الخارجية في مكتب المرشد الإيراني، هذا اللقاء الذي صرّح خلاله المندوب الأمريكي بأن ترامب مستعد أن يوقّع اتفاقاً ثنائياً بين إيران والولايات المتحدة تُرفَع بموجبه كل العقوبات عن طهران ويتم تطبيع كل العلاقات بين البلدين.
لا ينكر أحد على الإطلاق أن السياسة هي فن الممكن، وحلبة المراوغات، وأن لا صداقة تدوم ولا عداء يبقى للأبد في محافل السياسيين، لكن حين تعجز 22 دولة عن مواجهة كيان هجين بلا جذور، أو عن إدخال حتى قارورة ماء واحدة إلى غزة، حين تقف كل هذه الجيوش بإمكاناتها وبتاريخها عن نصرة قضية عادلة، كالقضية الفلسطينية، يكون في المسألة ألف سؤال وتساؤل مشروع.
قاوم الفلسطينيون ورفضوا منح وطن لليهود على أرضهم ونشبت أعمال شغب في القدس والخليل عام 1929، وذلك قبل أن تندلع الثورة الفلسطينية بين عامي 1936-1939، رفضاً لتوافد اليهود على فلسطين، وواجهوا حينها السلطات البريطانية التي أعلنت سحب قواتها في 14 مايو 1948 ليُعلِن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، ديفيد بن غوريون، في اليوم نفسه قيام دولة الكيان. ودخل العرب حروباً بين 1948 و1973 كانت فيها القضية الفلسطينية ورقة يتنافس فيها سياسيون وقادة ومنظمات ومؤسسات مالية وعسكرية، كل يبحث عن دور في الصراع بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، بحيث اختلطت مشاعر التضامن مع حسابات المصالح، إلى أن قامت الثورة في إيران وتغيّر معها موقع طهران في الشرق الأوسط، وبالتحديد في القضية الفلسطينية، وذلك حين أعلنت طهران قطع العلاقات مع (إسرائيل)، ومنح الفلسطينيين مقر السفارة (الإسرائيلية) السابق، وزار عرفات إيران ليكون أول شخصية عالمية تزورها بعد الثورة، ثم أعلنت إيران آخر جمعة من شهر رمضان كل عام يوماً للقدس. وبذلك تكون الورقة الفلسطينية قد انتقلت من العرب لتلتقطها إيران، التي تُدرك جيداً أن أي دور بارز فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ستلعبه مستقبلاً، سيعني مباشرة دوراً بارزاً كذلك في الشرق الأوسط بشكل عام. أدركت إيران إذاً أن كل التحالفات في المنطقة تعبر من خلال هذه الورقة.
وشيئاً فشيئاً، وفي ظل مثل هذه التحولات وغيرها، أصبحت القضية الفلسطينية قضية كل المسلمين في العالم، ولم تعد قضية عربية خالصة.
كتبت فاطمة الصمادي بحثاً رائعاً حول هذا الموضوع، جاء عنوانه كالتالي: “طوفان الأقصى: حماس والفسيفساء الدفاعية الإيرانية: من يخدم من؟” تناولت فيه حوار صحافي مع قيادي في الحزب الثوري تحدّث فيه عن التهديد المُحتَمَل الذي تعيشه إيران في حال قررت الولايات المتحدة الهجوم عليها، وحيث رد بالتالي: “ستتحول البلاد بأكملها إلى منطقة عمليات بطريقة فسيفساء، بحيث لا يبقى للعدو حتى نقطة آمنة في قلب الصحراء. ولن تكون القواعد الأمريكية في مأمن من الصواريخ الإيرانية، وستكون مصالحهم مُهدّدة ومعرّضة للخطر في عشرات الدول حول العالم في الوقت نفسه”. انتهى.
هذا الحديث كان في عام 2010، وهو اليوم، وبعد طوفان الأقصى، أصبح قريباً، لكن التيقّن منه يبقى صعباً في ظل أمواج السياسة المتلاطمة والمتحورة دوماً، وإن كان من السهل اليوم الاعتراف بأن الورقة الفلسطينية قد غادرت الحاضنة العربية واستقرت في طهران.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى