ملفات ساخنة

النذير القادم من بغداد

النذير القادم من بغداد

هنالك ولا شك مؤشرات كثيرة على بداية النهاية.. للوضع القائم في العراق!! التكهنات كثيرة.. والافتراضات أكثر!! وإن كانت جميعها لا تزال.. تصطدم بسؤال حائر.. دونما إجابة.. ألا وهو متى.. وكيف سيكون التغيير؟! لعلَّ أبرز ما في القضية العراقية الآن.. أنها سلطت الضوء على أخطاء وسلبيات سياسية كثيرة.. أودت بالعراق إلى ما هو عليه الآن!!
والمخيف في القضية العراقية.. خاصة بالنسبة للأنظمة العربية القائمة.. أن أخطاء وسلبيات القيادة العراقية.. هي ولا شك من صلب التكوين السياسي لأغلب الدول العربية!! مما يعني أن أداة التغيير في العراق.. ستفرض ولا شك.. تغييراً في أماكن ورقع عربية أخرى!! وهو أمر يجعل الاتفاق العربي على أسلوب التغيير في العراق ووسائله.. ضرباً من المقامرة بالاستقرار النسبي والهش لبعض الدول العربية.. خاصة تلك المجاورة للعراق!!
فإذا كانت كارثة الغزو… آخر العثرات في خطايا نظام بغداد.. وأول اللبنات التي تصدعت في جدار الحزب الأقوى في العراق.. إذا كانت تلك الكارثة قد دفعت بالخلافات العربية إلى السطح وأزالت غبار الدبلوماسية عن حقيقة علاقات الأنظمة العربية فيما بينها!! فإن اقتراب النهاية.. مع تخلخل آخر اللبنات في الجدار العراقي تحمل في معيتها إنذاراً بوجوب التغيير في النهج والممارسة السياسية لدول وأنظمة عربية أخرى!!
وهو أمر يرى فيه الكثير من المراقبين سبباً لبقاء الوضع في العراق واستمراره.. على الرغم من كل دلالات ومؤشرات السقوط!!
مما لا شك فيه أن نظام بغداد قد استمد شرعيته.. وكذلك استمراريته وبقاءه من خلال تركيبة لمؤسسة أمنية عسكرية صارمة.. إلى جانب فسيح متين لحزبية عائلية من الصعب افتراقها!! وكما جاءت شرعيته.. فإن نهايته جاءت كذلك من المصدر ذاته!!
فتخلخل كل من مقومات الاستمرار السابقة أي العسكر.. والعائلة.. لا شك قد دفع بعجلة النهاية والتغيير إلى الأمام!! ليقف العراق بذلك شاهداً ونذيراً.. عن مدى هشاشة الاستقرار والشرعية التي يكون استبعاد الشعب والأمة فيها مطلقاً وقاطعاً!!
قد لا يختلف مصدر الشرعية لباقي الأنظمة العربية عن المصدر الذي يستقي منه نظام بغداد شرعيته!! وإن كانت دموية النظام في العراق قد عمدته بكونه الوحيد القائم على أسس هشة رطبة!! فعلى الرغم من أن الشرعية السياسية لدى الأنظمة العربية الأخرى.. هي قائمة إما بعكسرة تمسك بخناق الشعب والدولة.. أو بنسيج عائلي أو صفوف مختارة تسكن أعلى الدولة والمجتمع!! إلا أن افتعال الحرية السياسية… وتقمص الديمقراطية البرلمانية لدى البعض.. يجعل منها نظماً مقبولة.. خاصة إذا ما قورنت هي بالواقع السياسي العربي المرير!!
ولعلَّ في تلك الحقيقة تكمن الأسباب في التحفظ الذي تبديه أنظمة عربية كثيرة.. عند انتقاد النظام القائم في بغداد!! بل ويتم من خلاله تفسير حالة الرعب التي أصبحت تنتاب بعض العواصم العربية حين يدور الحديث عن حتمية واقتراب التغيير في العراق!! والتخوف الذي أصبح البعض يعلنه من احتمال امتداد الفوضى في العراق.. وتجاوزها للحدود الجغرافية المعتمدة والمرسومة!! خاصة بعد أن أثبتت الحالة العراقية وبشكل قاطع.. فشل نظام العسكرة في البقاء طويلاً.. مهما كان تنظيمه وقوته!!
هذا إلى جانب التكلفة الخيالية التي قد يدفعها المجتمع والدولة نظير بقاء المؤسسة العسكرية واستمرارها في إدارة كل جوانب المجتمع!! لذا.. فإن النذير العراقي.. قد بدا يطرق وبشدة مؤسسات العسكر الراسخة في دول عربية أخرى.. أصبحت تترقب مصيراً مشابهاً للتدهور الذي أصاب الكيان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العراق!! وغدت شعوبها تتململ بضيق تحت وطأة مؤسسة الجيش!!
لم تكن العسكرة هي الركيزة الوحيدة للنظام القائم في بغداد.. كما وأنها ليست الخطأ الوحيد.. الذي اعتمد النظام على رسم دائرة عائلية ضيقة كان من الصعب بمكان اختراقها!! استطاعت أن تحكم نسيجها وسيطرتها ليس على المجال السياسي والأمني وحسب.. وإنما على مجالات مدنية أخرى كالثقافة.. والرياضة.. والفن!!
وبحيث خلق خروج الفريق حسين كامل وانشقاقه عن الدائرة حالة من الذعر لم تسبق لها مثيل.. بل وتجاوزت في آثارها ما خلفته الحرب.. وما فرضته من مخاوف.. واحتمالات للانهيار!!
وذلك بلا شك.. يشكل نذيراً آخر تبعث به الحالة العراقية.. عن مدى هشاشة أنظمة النخبة والصفوة العالقين في قمة الهدم السلطوي!!
حيث يدفع أدنى قدر من الانشقاق إلى تهاوي المبنى على من فيه!! ولعل ذلك هو السبب وراء ازدياد التكهن بقرب النهاية لمؤسسة العائلة في بغداد.. حين تململ أحد خيوطها.. وغادر نسيجها المحكم!!
لقد برهنت الحالة العراقية بتداعيات أحداثها وبتفاصيلها.. عن حاجة العرب جميعاً إلى إعادة فهم وإدراك لمقومات الأمن والاستقرار الحقيقية كما أكدت وبشكل واضح حاجة الدول العربية إلى إعادة نظر جدية في علاقاتها بعضها البعض!! وبأهمية إرساء النهج الديمقراطي.. ونظام المؤسسات.. ليكون قاعدة صلبة في بناء الدولة والمجتمع!! كما أنها أيضاً أماطت اللثام عن غياب دور الإنسان العربي.. ومسئوليته في ذلك الغياب!! وكل ذلك ولا شك يعني أن الدول العربية هي بحاجة ماسة إلى تغيير في التفكير والإدارة والممارسة السياسية.. لا يقل عن حاجة العراق ذاته للتغيير!!
فهل نتعظ.. ونصغي لصوت النذير القادم من بغداد!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى