الكويت الدولة القضية

الكويت: الدولة القضية
شاء القدر أن تكون الكويت، هذه الدولة الصغيرة جغرافياً وبشرياً، محوراً لأهم التحولات السياسية في التاريخ البشري الحديث، فلقد شكلت حرب تحرير الكويت في عام 1991 بداية بزوغ النظام العالمي الجديد الذي كان نتيجة مباشرة لحدثين رئيسيين؛ أولهما جاء في نجاح الولايات المتحدة في قيادة التحالف الدولي الذي أجبر قوات صدام حسين على الخروج من الكويت، وألحق بها هزيمة كبيرة! أما الحدث الثاني، فقد كان في الإلغاء الرسمي لصيغة الفدرالية للاتحاد السوفيتي وحله!
وفي ضوء هذين الحدثين تمت إعادة هيكلة الجغرافيا السياسية الدولية، التي كان أول تداعياتها حرباً ضروساً في يوغسلافيا، تفككت على إثرها وامتدت في أرجائها الحروب الطائفية والعرقية، مهددة بذلك العديد من العلاقات والتفاعلات الدولية! واختفى معها الكثير من صمامات الأمان المتمثلة في مواقع التوازنات الدولية التي أملتها ظروف الحرب الباردة بين الماردين الروسي والأمريكي!
ومع ولادة ذلك النظام العالمي الجديد، دخل العالم في جدل ونقاش لم يخلُ من الاختلاف إلى حد الصراع أحياناً، حول تفرد الولايات المتحدة بقيادة شؤون العالم السياسية والعسكرية وإدارتها! فبينما عبر البعض عن مخاوفه وقلقه مما قد يسببه انهيار المعسكر الشيوعي من خلل في تلك التوازنات العسكرية والسياسية، التي وفرها توازن القوى العظمى، رأى البعض الآخر أن انتهاء مرحلة طويلة من صراع القطبين سيوفر فرصاً أكبر للسلام وسيحد من احتمالات الحروب والصراعات السياسية والعسكرية، خصوصاً أن أغلب تلك الحروب كانت بتمويل من أحد القطبين الروسي أو الأمريكي!
الآن وبعد ما يقارب الإثني عشر عاماً على تفكك المعسكر الشيوعي وولادة النظام العالمي الجديد، يطرح الكثير منا أبعاد ذلك الحدث الكبير وآثاره، ويتساءل البعض عن وقع اختفاء تلك الثنائية التي سيرت الصراعات في العالم ورسمتها!
من المؤكد أن الذين راهنوا على سيادة السلام إثر انهيار المعسكر الشيوعي قد أخفقوا في رهانهم هذا! لأن الواقع الآن يقول غير ذلك تماماً! فالحروب لا تزال سائدة، وإن اختلفت في منهجها وأهدافها، والسلام لم يتحقق أبداً بدءاً بالدويلات التي خلفت الاتحاد السوفيتي القديم، ويوغسلافيا، باعتبارها أولى ضحايا الانهيار السوفيتي، ووصولاً إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي!
مما لا شك فيه أن النظام العالمي الجديد قد راهن على خيار الديمقراطية باعتبارها الأسلوب الأكثر أمنا واستقراراً! وأبرز من كتب في هذا الشأن هو صامويل هنتنغتون أستاذ أصول الحكم ومدير معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة هارفارد، حيث يقول في كتابه “الموجة الثالثة، التحول نحو الديمقراطية في القرن العشرين” “إن من العقبات الخطيرة التي تحول دون التحول الديمقراطي غياب أو ضعف الالتزام الحقيقي بالقيم الديمقراطية بين الزعماء السياسيين في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، فحين يكونون خارج السلطة تراهم يدافعون عن الديمقراطية، وبمجرد توليهم الحكم يبدأ الاختبار الحقيقي لإخلاصهم للديمقراطية! إن الزعماء والنخب سيحتاجون إلى المهارات الضرورية لإحداث الانتقال إلى الديمقراطية، وفي الوقت ذاته يكون عليهم مواجهة المعارضين المتطرفين والمتشددين الاستبداديين الذين سيسعون بالضرورة إلى تقويض جهودهم، ولن تنشر الديمقراطية إلا بالقدر الذي يريده هؤلاء الذين بيدهم السلطة في العالم في كل بلد على حدة”.
لقد هدد النظام العالمي الجديد أمن أوروبا واستقرارها، حيث كان للقوة العسكرية السوفيتية الهائلة دور كبير في دعم ذلك الاستقرار، خصوصاً في أوروبا الشرقية والوسطى، حيث القوميات المتصارعة تشكل قاعدة لعدم الاستقرار! والآن وبعد اثني عشر عاماً أصبح يهدد كرامة واستقلالية القرار الأوروبي، الأمر الذي عبرت عنه معارضة ألمانيا وفرنسا وبلجيكا للحرب المقبلة على العراق! وبين كلا التهديدين تبرز الكويت بكونها “الدولة القضية” في هذا الصراع الأوروبي ـ الأمريكي الذي تشكل إبان أزمتها مع نظام بغداد، حيث بزغ فجر النظام العالمي الجديد بالقيادة الأمريكية المطلقة للعالم، ووصل إلى موقعها الآن في الحرب ضد صدام حسين والتهديد الأوروبي بإنهاء ذلك التحالف الأوروبي ـ الأمريكي الذي ولدته أزمة الغزو العراقي.
