الأدب والثقافة والفنقضايا الوطن

الكتاب المحظور

الكتاب المحظور

يشدني هذه الأيام كتاب محظور وجدتني أغرق في تفاصيله وهوامشه، وجه الحظر ـــ كالعادة ـــ لكونه كتاباً خارجاً عن شروط المراقبة والقمع المستبد على العقل والفكر.
للكتب المحظورة، غالباً، نكهة خاصة، فهي بالإضافة إلى كونها تقدم طرحاً خارجاً عن المعتاد، وفي الغالب هو طرح أكثر عمقاً وتبحّراً، فهي تشكّل تمرّداً على السجن أو القيد الذي تفرضه الرقابة على الفكر، فالكتاب المحظور يشكّل تحدياً للسلطة الأبوية بكل أشكالها الدينية، والسياسية، أو كما وصفها جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984 “انتبه، الأخ الكبير يراقبك!”.
في كل مرة أقرأ كتاباً محظوراً أشعر بثورة في داخلي تشتعل، ثورة على قيود وقوانين ورقابة وسلطة تفرض عليَّ ما أقرأ وما لا أقرأ، ما أصدق ولا أصدق، وفي ما يجوز لي أن أفكر فيه أو لا أفكر.
وعلى الرغم من دخول العالم اليوم عصر التكنولوجيا المتفوقة والإنترنت الذي يسمح لنا بقراءة ما نشاء من الكتب المحظورة، فإن العالم لا يزال مهووساً بفكرة المراقبة والمنع وحظر كل فكره مخالفة لرؤية السلطة الأبوية، لذلك يستمر الناس وعبر العالم في الاحتفال سنوياً في بداية شهر أكتوبر بأسبوع “الكتب الممنوعة”، وعلى الرغم من حصة عالمنا العربي المهيمنة في مؤشر هذا المنع، فإن ذلك لا يعني غياب هوس الحظر في عالم، نرى أنه متقدم عنا ثقافياً وفكرياً، فلا يزال على سبيل المثال تداول كتاب هتلر “كفاحي” محظوراً بالقانون في دول كألمانيا والنمسا، وهنالك قائمة لهذه الكتب، منها مثلاً رواية جورج أورويل “1984”، التي تم حظرها في الاتحاد السوفيتي، لكونها تسخر من زعامته، ولم يتم تداول الرواية إلا عام 1995. وهنالك كتاب لجون ميلتون، تم منعه في إنكلترا لأسباب سياسية، بل حتى النرويج هي الأخرى لم تسلم من “مجازر الكتب”، فحظرت رواية بسبب محتواها الجنسي! كما منعت اليابان قصة “سامبو الصغير”، وحظرت بريطانيا كتاب “صائد الجواسيس”، ومنعت الولايات المتحدة رواية “عناقيد الغضب” ورواية “الغداء العاري”، والقائمة تطول.
لقد تجاوز التاريخ اليوم مفردة “الكتب المحظورة”، بعد أن دخلنا حقبة الإنترنت، لكن عملية إطلاق سراح هذه الكتب لن تتحقق بالندوات والشجب والاعتصام، بل بالبحث أولاً عن مصدر الإزعاج، عن القانون الذي يعطي الحق في حظر كتاب ما، من هنا تبدأ عملية مقاومة الحظر على الفكر، من الأسباب، وليس من إفرازاتها، وهو ما فعلته المحكمة الدستورية في إندونيسيا منذ عدة أعوام، حين قضت بإلغاء قانون حظر الكتب الذي كان سارياً لخمسين عاماً، وكانت الحكومة بموجبه تملك الحق في حظر الكتب التي ترى أنها خطرة أو مثيرة للجدل وبطريقة عشوائية!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى