
إذا كان هناك من نتائج للقمة الخليجية التي انعقدت في الأسبوع الماضي، فهي أن الكويت قد خرجت بثوب العقلانية والحصافة السياسية والحكمة، وتلك – ولا شك – من أهم مقومات العمل السياسي المتزن والمثمر.
التمثيل في القمة يشير وبشكل واضح إلى عدم وجود نوايا صلح بين المتخاصمين، وبالتالي فهو يعرّض، ولأول مرة، وبشكل معلن وصريح، مصير مجلس التعاون للتساؤل، بل وحتى للتشكيك في إمكانية استمراره.
ما يحزن هنا أن الخلاف الخليجي شمل أجهزة الإعلام المملوكة للدول، والتي جاءت تغطية أغلبها للقمة باهتة وهامشية وبصورة تتعارض مع الإعلام كقيمة معلوماتية تنهار أركانها إذا ما تجاوزت موضوعية الطرح واستغرقت في جدلية الخلاف السياسي وبشكل طاغٍ.
جميعنا – ولا شك – يستطيع الآن أن يرى وبوضوح أن الخلاف الخليجي ليس وليد اللحظة ولا بسبب مواقف سياسية اتخذتها دولة ما بعينها، بل إن هذا الخلاف، وبكل أسف، استند إلى مرجعية تاريخية تتأرجح بين العداء والنفور من البعض داخل منظومة دول الخليج، وإن كان النفط والثراء قد استطاعا أن يخفياها شيئاً ما، فإنهما لم يستطيعا بالطبع أن يلغياها! ولمن يريد أن يستزيد في ما يتعلق بالعلاقات التاريخية بين دول الخليج، ما عليه إلا أن يرجع إلى كتاب الراحل عبدالرحمن النعيمي بعنوان “الصراع على الخليج العربي”.
أعتقد أن مجلس التعاون الخليجي منذ نشأته لم يحقق طموحات الشعوب الخليجية، وربما لم تكن من أولوياته الاهتمام المكثف للتقريب بينها سياسياً أو اقتصادياً أو حتى أمنياً، فعلى الرغم من أن مجلس التعاون قد قام في أساسه على المشروع الأمني الخليجي، وذلك إثر اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في فجر الثمانينيات، إلا أنه لم يستطع حتى تحقيق مثل هذا المشروع، بدليل “فعالية درع الجزيرة” في لعب الدور المطلوب إبان غزو النظام العراقي لإحدى دوله وتهديده لعدة دول خليجية! وهنا نطرح السؤال المنطقي حول مسؤولية عدم تمكن مجلس التعاون من الخروج بأبسط أشكال التعاون بين دوله! هل هي مسؤولية الأمانة العامة للمجلس أم هي مسؤولية الوزراء أم المؤسسات التشريعية، أم أن هناك مشكلة لدى المواطن الخليجي نفسه حول الاندماج مع شقيقه الخليجي؟
الحديث عن مجلس التعاون الخليجي والفرق بين دوره المطلوب ودوره المُمارَس حالياً، هو حديث يطول، قد تغضب بعض تفاصيله أجهزة الرقابة في محيطنا الخليجي وفي إعلامنا، ولكن من الإنصاف هنا الإشارة إلى حنكة الكويت كدولة استطاعت أن تتحلى بكل مقومات الحكمة والكياسة السياسية رغم حساسية الظروف المهيمنة، لأن إلغاءها بسبب تدني التمثيل قد يؤجج مشاعر الشعوب ويبث كراهية ونفوراً بين بعض أفرادها بعضهم ضد بعض، ففي النهاية هم – أي الشعوب – الأهم في المعادلة هنا، وتسلل الخلافات السياسية إلى بنية المجتمعات الخليجية – لا شك – سيشكل خطراً أكبر من جميع الأخطار المحدقة بمجلس التعاون ودوله وكياناته.
القبس 2017/12/12




