شئون عربية

القرار العربي السيادي

القرار العربي السيادي

لم نعلم بعد ظروف وتفاصيل الحديث الذي أدلى به سفير دولة قطر لدى الكويت لصحيفة “الوطن” الصادرة بتاريخ 21/ سبتمبر والذي تحدث فيه عن “قمة الدوحة” الاقتصادية المزمع عقدها في دولة قطر في نوفمبر المقبل، حيث أكد السفير القطري “للوطن” أن القمة ستعقد في موعدها، داعياً إلى ضرورة فصل الاقتصاد عن السياسة مؤكداً وجوب عدم الربط بين الموقف السياسي والمؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في الدوحة، ومعرباً عن أمله في مشاركة الدول الخليجية والعربية في المؤتمر من هذا المنظور الذي يفصل بين السياسة والاقتصاد.
فعلى الرغم من أن حديث السفير القطري قد تضمن دعوة لحسم الجدل العربي حول حضور “مؤتمر الدوحة” الذي كان واضحاً في تشنجات الأجواء المشحونة والمتفجرة في اجتماعات مجلس الجامعة، إلا أن تصريحاً بهذه الصورة، صادراً عن دبلوماسي وبالذات من قلب منطقة الخليج المتأزمة يتطلب وقفة ومراجعة جادة حوله، لعلنا نخرج بفهم أفضل للأسلوب الذي يفكر به سادة القرار العربي والطريقة التي يعالج بها أهل السياسة العربية خلافاتهم واختلافاتهم وقضاياهم.
فإذا كانت دولة قطر قد حسمت الخلاف حول إقامة “مؤتمر الدوحة” من خلال تصريح سفيرها في الكويت بضرورة عزل السياسة عن الاقتصاد فإن ما توصل إليه المجتمعون العرب في القاهرة في سبيل احتواء الانشقاقات العربية حول “مؤتمر الدوحة” والداعي إلى إعطاء كل دولة حرية القرار حيال المشاركة في المؤتمر، يأتي ولا شك مطابقاً في مغزاه للتفسير والتبرير القطري، فالدعوة العربية لأن يكون قرار المشاركة الاقتصادية في المؤتمر سيادياً بحثاً لكل دولة، تتناقض تماماً مع تمسك القادة العرب في مؤتمر القاهرة بوجوب تحقيق السلام العادل والشامل كهدف استراتيجي يستوجب التزاماً مماثلاً من قبل إسرائيل للمضي نحو السلام وبحيث تطل من بين هاتين الدعوتين، دعوة عربية صريحة للفصل بين الاقتصاد والسياسة لا تختلف إطلاقاً عن دعوة السفير القطري.
لا نريد أن نقول هنا أن المنطق والعقل يقولان بوحدة الاقتصاد والسياسة، بل سنسترجع بعضاً من شواهد وثوابت تلك العلاقة، والتي كان نصيب العالم العربي منها وافراً، أدى وبصورة مباشرة إلى ما نحن فيه من أزمات واختناقات بسبب صراعات الآخرين الاقتصادية السياسية. فلقد أكد انتهاء جذوة الحرب الباردة وبصورة واضحة أنها لم تكن يوماً حرباً فكرية أو عقائدية، قسمت العالم إلى معسكرين بأيديولوجيتين متباينتين بل كانت صراعاً سياسياً اقتصادياً يرمي كل طرف فيه إلى السيطرة على المنظومات الاقتصادية الرئيسية في العالم. بل رأينا كذلك كيف أنه بإمكان مؤسسة صناعية في بقعة ما من العالم التأثير وبصورة مباشرة في انتخابات برلمانية أو رئاسية لدولة أخرى في بقعة أخرى من العالم. كما شهدنا عمليات الاتجار والمرابحة في مؤسسات عسكرية وجيوش قتالية، كان يجري تغيير استراتيجياتها وتوجهاتها من خلال مؤسسات اقتصادية ضخمة، وكيف أن الولاء السياسي متوفر للأعلى سعراً، والانتماء الفكري السياسي للأقوى اقتصاداً. والتاريخ بلا شك مليء بشواهد تحكي وحدة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة ولعلّ في حربيْ الخليج الأولى والثانية ما يؤكد للعقل العربي ثبات تلك العلاقة وحتميتها.
مشكلة المشرع العربي والقرار العربي إذن ليست في إدراك تلك العلاقة، بل في العلم وفق شروطها، والتعامل من خلالها بصورة تضمن عائداً إيجابياً يكون للشعوب فيه نصيب أكبر من الإدارات والمؤسسات السياسية الحاكمة. فالصراع والاختلاف العربي حول مؤتمر الدوحة الاقتصادي، هو مثل كل الاختلافات العربية، خلاف أنظمة ومؤسسات حكم ليس إلا. ومن هنا جاءت مطالبة مؤتمر القاهرة بأن يكون قرار المشاركة في المؤتمر قراراً سيادياً لكل دولة!!
لقد قيل دوماً إن العرب قد اتفقوا على ألا يتفقوا وتلك حقيقة قائمة على الرغم من كل ما تحمله من معالم أسى وأسف عميقين، ولقد عبر الزعماء العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة عن ذلك الواقع المؤسف بصورة مخجلة، خاصة مع تواتر التعديات الإسرائيلية السافرة على الأرض والمواطن العربي مؤخراً. حتى لقد أصبح الفرد العربي يتمنى لو أن قادة العرب لا يجتمعون حتى لا يتضاعف حزنه وألمه من جراء انهيار العقل العربي وما تبقى من كرامة، ولكي لا يتلاشى ما بحوزته من أمل وهو يصطدم بعقلية قيادة ترى في السياسة شأنها الخاص، وفي الاقتصاد خصوصيته البعيدة والنائية عن عالم السياسة وأهله.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى