ملفات ساخنة

الفعل العراقي، ورد الفعل الأمريكي

الفعل العراقي، ورد الفعل الأمريكي

كيف استطاع النظام العراقي أن يرسل طائرته بالحجاج إلى مكة؟؟ على الرغم من كل الحصار والقيود المفروضة عليه؟؟ وكيف يستطيع الآن أن يتحدى قرارات الشرعية الدولية ويعلن عن عزمه على إرسال مروحيات إلى حدوده مع السعودية لإعادة الحجاج العراقيين العائدين من مكة المكرمة؟ وقبل ذلك، ثارت تساؤلات عديدة، حول الأسباب التي دفعت بقوات التحالف إلى التوقف رغم انتصارها عند بوابة بغداد؟؟ وعن طبيعة عمل لجان التفتيش عن الأسلحة العراقية، وعن حقيقة المعوقات التي يعلنها “رالف إيكيوس” بين الحين والآخر؟
لا نريد أن نكرر هنا أهمية بقاء صدام حسين لضمان استمرار الوجود السياسي والعسكري الأمريكي في المنطقة بالإضافة إلى تأمين ازدياد حاجة دول المنطقة لاستيراد الأسلحة الحديثة من الولايات المتحدة فتلك لا شك حقيقة مسلم بها، أصبح علينا أن نتعامل وفقاً لشروطها ومعطياتها.
غير أن اختراق نظام بغداد للحظر الجوي مؤخراً، وإعلان واشنطن تجاهل ذلك الخرق لأسباب عقائدية ودينية، هو بلا شك حدث يحمل في طياته رسالة موجهة لكل فصائل المعارضة العراقية، والتي بات عليها أن تدرك حقيقة الموقف الدولي تجاه النظام القائم في بغداد، وأن لا نبالغ في الاعتماد على مساندة الولايات المتحدة، لإسقاط نظام البعث الحاكم.
فعلى الرغم من رفض الكثير لنظرية المؤامرة في تفسير الحالة العراقية الراهنة، إلا أن المنطق وتواتر الأحداث منذ حرب تحرير الوطن يقولان إن هنالك استفادة وإيجابيات كبيرة يتمتع بها الغرب من جراء استمرار النظام القائم في بغداد، فبينما لا يجد الغرب صعوبة تذكر في التنبؤ بالفعل ورد الفعل العراقي الصادر عن نظام بغداد، نجده يعجز عن رصد ردود فعل المعارضة العراقية. لأسباب تتفاوت بين تنوع فصائلها، وكثرة الاختلافات فيما بينها.
من حق الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة أن تملي شروطها، يساعدها في ذلك دورها القيادي الذي فرضه انهيار المعسكر الشيوعي. غير أنه من حقنا أيضاً، مراقبة الزعامة العالمية الجديدة، ونقد أدائها خاصة وأننا نحن من يدفع دائماً نتائج الخلل في ذلك الأداء، وكما حدث في عمليات الحشود الأمريكية في أعقاب الحرب، والتي كررت أكثر من مرة، دفعت فيها دول المنطقة ما دفعت من أموال، وثروات.
لعلَّ المشكلة الأساسية التي تعاني منها دول المنطقة بما فيها العراق، بالإضافة إلى المجتمع الدولي بصورة عامة، هي في طبيعة الزعامة الجديدة للعالم، فالولايات المتحدة على الرغم من تفوقها العسكري الكبير، إلا أنها لا تمتلك حنكة ودبلوماسية سياسية بذات الحجم، وهو أمر طالما أثار استياء دول الجنوب، وضاعف من تذمر دولة للهيمنة والسيطرة الغربية، ممثلة بالولايات المتحدة.
ولعلّ في تصريح واشنطن الأخير الذي أعلن فيه كلينتون قرار واشنطن بعدم الرد عسكرياً على خرق العراق للحظر المفروض عليه، ما يؤكد حقيقة ذلك الخلل في الدبلوماسية السياسية للإدارة الأمريكية. فالعقوبات المفروضة على العراق ليست قراراً أمريكياً، بل هي قرار دولي صادر عن هيئة دولية، أو هذا ما يفترض أن يكون عليه الحال.
قد لا نستطيع القول هنا إن هنالك تنسيقاً أو تعاوناً بين الإدارة الأمريكية من جهة، وبين النظام الحاكم في بغداد من جهة أخرى وإن كنا نستطيع وبسهولة أن نتبين إرتياحاً من كلا الطرفين للآخر، مبعثه قدرة الأطراف على التنبؤ والتكهن بردود الفعل التي قد يتخذها النظام في بغداد أو الإدارة الأمريكية تجاه كل الأحداث والمستجدات من المنطقة العربية بصفة عامة.
إذن هي ليست مصادقة ولا مباغتة أن يرسل النظام العراقي بطائراته مخترقاً الحظر الدولي كما وليست بمفاجأة أن تتنازل واشنطن عن ذلك الخرق، تعاطفاً مع أسبابه الدينية البحتة.. كما أنه ليس لغزاً حضور الفرق الطبية إلى العراق لعلاج أبناء الحزب وأعوانه. خاصة وأننا قد تابعنا من قبل تلك القدرة الفائقة التي أبدتها قوات التحالف إبان حرب الخليج على اختراق كل الأسوار والمخابئ العراقية، والتي لم تسلم منها حتى ملابس حاكم بغداد الداخلية. ويكفي القول هنا، إن الجنرال شوارزكوف كان يقضي وقتاً أطول في دراسة سيكولوجية الطاغية، وربما أطول من الوقت الذي كان يقضيه في رسم استراتيجية المعركة!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى