العم بوخالد الشلفان عليك الرحمة

العم بوخالد الشلفان عليك الرحمة
تقول الأساطير القديمة أن أهل الحكمة والحنكة لا يموتون بل يصبحون نجوماً ساطعة خالدة، مضيئة لأهل الأرض دروبهم ومسعاهم، ومن هنا كان اتصال القدماء بالنجوم حين تضيع حيلتهم أو تضيق صدورهم بما قد لا يكون بوسعهم ولا بطاقتهم تحمله واحتماله.
العم عبدالعزيز العمر الشلفان، الذي رحل عنا إلى فسحة السماء أصبح نجماً من تلك النجوم، نهتدي بنوره حين يحاصرنا ظلام الأرض، ونبحث عن حكمته وعن سعة صدره وعن مخزونه الدافئ من العطاء حين تغلق في أوجهنا صدور الخلق.
لقد كان العم بو خالد، كما رفاقه ورعيله، خير مرجع لنا نبحث فيهم عن نكهة الماضي وعن شفافية الإنسان في ذلك الزمان، ونسرق منهم ما استطعنا سماحة الوجه وطهارة النفس وصدق الحديث! ونعود من خلالهم لنستقر في أحضان ذلك الزمن النقي الصافي الذي لم تشوهه بعد آلة المدنية وصخبها الجارف، ولم تعصف به رياح البغضاء والحرب وهديرها.
عشقنا العم بو خالد وعشقنا معه زمنه النظيف وروحه الصافية، وكنا جميعاً لا نخفي ذلك التودد والحنين لأن نعيش من خلاله زمنه ذاك، وأن نسترق منه وهو يحدثنا بعضاً من ملامح ذلك الجيل وتلك المرحلة الناضجة بمشاعرها والنقية بخصالها.
لن نفتقد العم بن شلفان كأب وكعم حنون وحسب، وإنما سنفتقده كمرجع خصب طالما أطللنا منه على إرث الأولين ومرحلة الأقدمين نحو الحاضر، وعلى صراعهم وحربهم في سبيل الامتداد بنا إلى ما نحن فيه وعليه، فبدونهم وبدون معالمهم وذكراهم لن تبقى لنا ذاكرة ندون فيها الحاضر، ولن تكون بحوزتنا أدوات بناء المستقبل.
رحل العم بو خالد، ورحلت معه ذاكرة الأمس، فلقد بقي حتى آخر لحظاته يقظاً متيقظ البصر والبصيرة، وشاهداً على مرحلة عطرة تمنينا ألا ترحل برحيله! وإذا كنا قد نقلنا عنه بعضاً من شهادته ورؤيته للماضي ولأهله واحتفظنا ببعض من تلك الصور والمشاهد القديمة، فإننا حتماً لن نستطيع أن نعيد عبق ذلك الزمن ولا رحيقه، فالماضي لا يعود إلا بشخوصه! ويبقى دواؤنا في أن نسترجع بعضاً من ملامح ذلك الماضي لنزيل بها أرق الحاضر وهمومه، ولنجعلها مرجعنا في بناء الحاضر والمستقبل معاً! فلقد أدركها العم بو خالد دنيا صراع وتعب وكد وجهد، ولم يكن مشواره فيها هو وأقرانه سهلاً يسيراً، فلقد حفروا في الصخر معاناتهم وصراعهم في سبيل توفير العيش لهم ولأهلهم، وتحملوا ما تحملوا لكي تسير الحياة فلا تتوقف! ومن ذلك المناخ القاسي ولد يقينهم بجدوى الصبر والمثابرة وتولدت لدى العم بو خالد ورعيله قناعاتهم بهبة الحياة، فلم يعرفوا ضيق الصدر ولا اليأس ولا القنوط فانعكس ذلك على أخلاقهم ومعاملاتهم مع أهلهم ومع الآخرين، وجاء ذلك في بشاشة وجه وحسن حديث ومودة ورحمة أشاعوها بين من يصغرهم سناً وتجربة!
قد لا نملك نحن أهل الدنيا الفانية سوى الدعاء لأولئك الذين رحلوا عنا إلى دنيا اليقين الباقية، وليس بوسعنا يا عم بو خالد سوى الدعاء لك بقبول رحب عند ربك ومغفرة واسعة إن شاء الله، وصبر وسلوى لأهلك وأحبائك وذويك من الذين علمتهم كيف تكون حياة التسامح والمحبة، ولقنتهم كيف يكون الدين الحق خارجاً من القلب بلا زيف ولا رتوش.
وليكن لقاؤنا معك في الآخرة كما كان لقاؤنا بك في هذه الدنيا، لقاء محبة ومودة ورحمة! فإلى جنة الخلد يا عبدالعزيز الشلفان إن شاء الله!
الغائب الحاضر
لن يستطيع القلم أن يتحرك ويمضي من جديد بعد إجازة الصيف دون أن يقف ولو خشوعاً وهيبة وترحماً على راحل لم يرحل أبداً عن جريدته، وفارس لم يغادر بموته ميدانه ومربطه!! فبقدر ما أحزننا وآلمنا جميعاً رحيل أستاذنا سامي المنيس بقدر ما زاد إصرارنا على إبقاء ذكراه وذاكرته وحضوره مدوياً في أرجائنا جميعاً فهو لا يزال حاضراً في كل ركن من أركان جريدة “الطليعة” ولا تزال آراؤه ورؤاه ثاقبة في كل سطر وكل كلمة. ولم يزل عهدنا معه على المضي في كل ما منه صالح لهذه الأرض ولهذا الشعب قائماً وصامداً.
سأفتقد شخصياً عتبه لي عن عدم الكتابة في إجازة الصيف، فمثله لم يعرف الراحة ولا يعترف بالإجازة من هموم الوطن وأشجانه وقضاياه!! سأفتقد كما افتقد غيري إرشاداته الحميمة ونصحه الأخوي، وسيفتقد الجميع قلباً حانياً مليئاً بحب الكويت وأهلها، تلك ديباجة خانني القلم أن أخط شيئاً قبلها، خصوصاً وأنني لم أساهم مع الكثيرين الذين أبنوا راحلنا العزيز، ولم أعبر عن حزني وجزعي الكبيرين كتابة!!
ومثلما ترك رحيل أستاذنا سامي المنيس كل ذلك الكم الهائل من الحزن، فإنه أيضاً قد ترك حزناً آخر بذلك الرحيل، حزننا الكامن في عجزنا عن ملء فراغه ومقعده. وهو أمر ينذرنا ويحذرنا من مغبة الانصياع لعنصر المفاجأة والبغتة في تقدير وترتيب احتياجاتنا وخططنا، وسواء كان ذلك على مستوى المنبر الديمقراطي كتجمع وتنظيم للفكر الوطني الليبرالي والحر، أو كان على مستويات التجمعات والتنظيمات السياسية والشعبية الأخرى.
فهنالك ولا شك فوضى وتخبط سادا الدائرة العاشرة(1) في استعدادها لملء شاغر الراحل العزيز، وهنالك حالة هي أقرب للعراك والعويل منها للصراع والتنافس الناضج النزيه سيطرت على نفوس الراغبين في دخول حلبة التنافس على مقعد الراحل سامي المنيس وكلها مؤشرات ودلالات تؤكد لنا مدى حاجتنا الملحة إلى تنظيم التنافس السياسي في هذا الوطن، وتأطيره ضمن أحزاب أو أي شكل من أشكال التنظيمات السياسية التي ستقطع الطريق حتماً على كل أشكال الفوضى والتذبذب في مجال التنافس السياسي.
جزء كبير من هلعنا وجزعنا على رحيل سامي المنيس يكمن في غياب عنصر وطني صادق ومخلص يندر أن تجود به الأيام. وجزء آخر من ذلك الجزع يعود إلى حذرنا وتخوفنا من العجز عن ملء شاغره بما يضمن لخطة التواصل ولفكره عدم الانقطاع. وتأتينا الآن الفرصة سانحة بعد أن باغتتنا المفاجأة في غياب الراحل العزيز لتنظيم خططنا وخطواتنا بما يكفل لفكر ولتوجه سامي المنيس الاستمرارية والتواصل مع الأجيال الحاضرة والمقبلة.
أمام “المنبر الديمقراطي” اليوم مهمة قد تكون صعبة إلى حد ما، وواجب هو قطعاً حتمي، لتحضير الكوادر الشابة ورعاية وتأهيل أصحاب الفكر الليبرالي من الشباب والشابات رعاية فعلية من خلال إدراجهم في برامج ومهام وطنية تقربهم من فكر “المنبر” ونهجه وتوصلهم ببرامجه وبخططه!! وتكمن صعوبة مهمة كهذه في شراسة ساحة الصراع والتنافس خصوصاً في أوساط الجيل الجديد حيث يسيطر أصحاب الأفكار المعلبة، وأهل الحلول الجاهزة من أقطاب جماعات الإسلام السياسي الذين سيطروا سياسياً واقتصادياً بعد أن أحكموا قبضتهم أولاً على أفكار وتطلعات شريحة الوطن من الصغار والشباب.
لقد بقي أصحاب الفكر والتوجه الليبرالي بمعزل عن ساحة الطلبة لفترة طويلة سبقت الغزو!! إلى أن استطاع بعض الوطنيين المخلصين وعلى رأسهم غائبنا الحاضر أبداً سامي المنيس أن يدشنوا تواصلاً جديداً مع الفئات الشبابية وذلك في أعقاب مرحلة الغزو الحزين. وبدأ النشاط يدب من جديد في قوائم وفئات طلابية ليبرالية، وعادت للنهج الليبرالي قاعدته بين شباب الوطن، وقد كانت بصمات راحلنا الكبير واضحة في دفع عجلة ذلك النشاط، وأصبح على “المنبر الديمقراطي” ومريديه ومسانديه من حماة الديمقراطية والدستور والعدالة الاجتماعية واجباً مقدساً وعهداً بتكملة المشوار، وبتوسعة القاعدة لتشمل كل الخيرين والمخلصين من أبناء هذا الوطن العزيز.
لم يكن بالسهل علينا أبداً فراق الأخ سامي المنيس لكنها إرادة الله وحكمه وقضائه، ولم يبق بأيدينا ما نقدمه للغائب الحاضر سوى وعد وإصرار وعهد على تكملة المشوار والمضي في تحقيق أحلامك الديمقراطية يا سامي.


