ملفات ساخنة

العراق في مواجهة التاريخ

“العراق… في مواجهة التاريخ”

في تقرير عن الأوضاع داخل العراق نشرته “الطليعة” في عددها الأخير.. تفاصيل مروعة.. تثير أكثر من تساؤل حول الأسلوب الذي سيتم فيه حسم الوضع القائم.. وإنهاؤه!! التكهنات كثيرة والتوقعات أكثر.. وإن كانت لا تخلو من التمنيات التي يتسم الكثير منها بطابع اللاواقعية!! غير أن استمرار النظام على رأس السلطة بعد مضي كل هذه السنوات!! وازدياد معاناة الشعب بصورة لا تخلو من القلق.. والخوف من أن تؤدي حالة الاختناق هذه إلى نشوب حرب أهلية تعصف بما تبقى من الوجود والكيان العراقي!! استمرار الوضع القائم يدفع إلى التساؤل عن هوية البديل المؤهل لهذه التركة المليئة بالحزن والقهر والمخضبة بالدماء والمعاناة!!
ففي حديث للسيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.. أجاب على سؤال وجهته له جريدة “الحياة” في عددها الصادر بتاريخ 23/11/1994 عن رأيه في احتمال.. وكيفية التغيير في العراق!! يقول الحكيم: نحن ندعو إلى تغيير في العراق.. وأن يأخذ الشعب دوره الطبيعي في إدارة الحياة السياسية عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع وحرية الآراء!! وذلك بلا شك أمر مرغوب وجيد في تصور الأسلوب الذي يجب أن تستقر عنده الأحوال في العراق!! غير أن الحكيم قد أكمل حديثه في تصوره لأسلوب التغيير بقوله: ولا مانع أن يأتي هذا التغيير عن طريق الجيش بمعاونة حركة شعبية سياسية جهادية.
لا شك أن الطريق إلى التغيير عن طريق الجيش قد كان سبباً أساسياً في مآزق العراق السياسية منذ بداية هذا القرن!! غير أن المأزق الجديد الذي يواجهه العراق الآن.. هو أن أي محاولة للتغيير مستقبلاً.. بدون أن يكون للجيش اليد الأولى فيها.. ستقود بالتأكيد إلى حرب أهلية شرسة.. لا يعلم أحد مداها ولا آثارها!! والعراق كان دوماً مؤهلاً لذلك.. فإن كان في تضاعف المعاناة.. وتزايد طائفية وعنصرية النظام الحاكم.. ما يدفع باحتمال نشوب حرب أهلية إلى خانة المنطق والواقعية!!
فالعراق.. أرض ترقد على مثيرات طائفية شكلت قاعدة ثابتة للمجتمع العراقي منذ بداية القرن.. فهنالك المجتمع الكردي المعروف “بالبارزانية الكرمنجية” في شمالي وشمال غربي العراق.. وهنالك المجتمع الكردي في شمالي وشمال شرقي العراق.. المعروف “بالبارزانية السورانية”.. ثم السني المتمثل بالعسكر.. ثم السني المتمثل بالليبرالية.. وأيضاً المجتمع الشيعي المتمثل بالليبرالية!! وهو أمر يدفع بالمسئولية عن مرحلة التغيير المستقبلي مباشرة إلى مرمى الشعب.. أو بصورة أدق إلى قادة المنظمات والأحزاب في العراق!! فهم وحدهم الآن القادرون على إيثار أرضهم وشعبهم على أي مكتسبات أخرى.. وبيدهم وحدهم يمكن أن يتقلص دور الجيش في إحداث التغيير.. لتقتصر مهمته على المرحلة الانتقالية فقط حتى لا تستمر السياسات المشوهة كالتي قادت العراق منذ تحرره في العام 1958!! خاصة وأن صراع التيارين الرئيسين الكرديين الآن.. يعيد إلى الذاكرة صراع التيارين الشيوعيين ضد القوميين آنذاك.. والذي نتج عنه التدمير الهائل للبنية العراقية.. التي لا يزال العراق يدفع ثمنها دماً ومالاً وأمناً!! جزء كبير من معاناة الشعب العراقي اليوم.. يعود إلى انصياعهم لأوامر العنف والدماء التي دشنت تاريخهم التحرري!! وإلى استثنائهم للمتسببين في تلك المعاناة من المحاسبة والمساءلة!! فعلى الرغم من أن الانقلابات أصبحت الطابع الغالب للحياة السياسية في أعقاب ثورة 1958!! إلا أن عنصر المحاسبة وتوجيه المسئولية قد ألغي على ما يبدو من أولويات أي من قادة تلك الانقلابات (التصحيحية)!
العراق الآن في مواجهة صعبة وحقيقية مع التاريخ يعيد فيها كتابة فصوله القادمة.. على أرض صلبة.. لا تنخرها سلوكيات سياسية متناحرة.. يكون فيها الحزب والقائد مسخرين للمجتمع والشعب لا العكس!! وتلك مرحلة شاقة لا جدال في ذلك.. بعد ما خلفته سنوات الدكتاتورية الطوال من أعباء ثقيلة.
العراق بشعبه وأحزابه الآن.. في مواجهة صعبة.. مع تراث من العنف.. والدماء لن يتمكن من محاربته إلا بمخالفة أسلوب صدام حسين ومن سبقه في الحكم والنظام!! العراق بحاجة إلى نهج جديد بعيد عن العنف والقتل والإرهاب.. ليبدأ على ضوئه في معالجة قضاياه وأزماته!! هو بحاجة إلى نظام سياسي يميزه عمّا مضى من مراحل دكتاتورية في تاريخه!! العراق بأحزابه وقادة تنظيماته الشعبية والحزبية.. أمامهم فرصة الخروج بالديمقراطية وبحق المساءلة والمحاسبة.. من دائرة التجريد والتلميح.. إلى دائرة الواقعية والتطبيق!!
ولعلّ أوقع البدايات ستكون في تحديد مسئولية المتسببين في دموية وعنف النظام.. ومثيري الطائفية.. ومضطهدي الأقليات!! ومسؤوليات المعارك الكردية الشرسة في الشمال!! هذا بالإضافة إلى مسؤولية المطالبين بعودة العراق.. مع بقاء جسده مضرجاً بدماء وعنف المراحل السابقة!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى