العراق الدولة النموذج

العراق: الدولة النموذج
من الصعب جداً الحديث في غير موضوع الحرب هذه الأيام، فهاجس الحرب، توقعها أو لا، تبعاتها وإرهاصاتها، أصبحت طاغية على كل محاولة من جانبنا لمزاولة حياتنا بصورة طبيعية أو اعتيادية، وقد كان ذلك واضحاً أثناء فترة إجازة عيد الأضحى، الذي لم ينجح كرم أيامه ومناسبته في صرف الناس عن إثارة موضوع الحرب واستعداداتها!
وإذا كانت الحرب تثير قلقاً وفزعاً لدى الكثير من الناس، فإن مخلفاتها والواقع الذي ستفرضه تثير قلقاً أكبر وفزعاً أكثر!
هنالك أكثر من تحليل وتوقع لمرحلة ما بعد صدام حسين، وإن كان أكثرها تداولاً ذلك التحليل الذي يتحدث عن خطة أو مشروع إعادة رسم المنطقة سياسياً وجغرافياً، وهو التحليل الذي يثير حفيظة الكثير من أهل الخليج بشكل خاص، والدول العربية بشكل أكثر عموماً واتساعاً.
سيناريو إعادة هيكلة الشرق الأوسط بات من أكثر السيناريوهات رواجاً، خاصة بعد أن أعلنه وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول، وهو سيناريو يفسر ولاشك ذلك الحضور العسكري الرهيب في المنطقة، والذي لا يمكن أن يقتصر تواجده على الإطاحة بنظام صدام حسين فقط.
يتلخص هذا السيناريو الذي نشرته “القبس” في 13 فبراير الجاري، وفقاً لتصريح مسئول أمريكي على صلة مباشرة بالملف العراقي، في ثلاث ركائز أساسية؛ الأولى تتعلق بالأسابيع التي تعقب الإطاحة بصدام حسين، تتولى فيها القيادة المركزية للجيش الأمريكي إدارة العراق، أما الثانية فتتلخص في انتقال الإدارة تدريجياً بعد هدوء الوضع إلى قيادة مدنية تبدأ عملها تحت قيادة الجنرال “فرانكس” وبالتعاون مع مسئول دولي تعينه الأمم المتحدة، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة، والتي يجري خلالها إقامة حكومة عراقية مستقرة وديمقراطية تمثل جميع فئات الشعب العراقي.
أحد المحللين السياسيين علق مؤيداً سيناريوهات بهذه الصورة بقوله: “إن غزو العراق يجب أن يكون خطوة أولى نحو تحرير دول أخرى في الشرق الأوسط تعيش تحت رحمة طغاة يدعمون الإرهاب”، في إشارة إلى أكثر من دولة مجاورة للعراق.
إن من المفارقات الغريبة أن يكون من السهل تحقيق السيناريو الحلم للإدارة الأمريكية في العراق، وإن كان من الصعب جداً تحقيقه في الدول الأخرى التي أشارت إليها أمريكا أكثر من مرة، بمعنى أن إقامة نظام ديمقراطي في العراق عملية قد تكون أسهل بكثير من دول أخرى مجاورة لأسباب تتعلق بتاريخ العراق السياسي مقارنة بغيره من الدول، إلى جانب مسألة أخرى في غاية الأهمية تعود إلى تلك الخصوصية العراقية التي جعلت الغرب وأمريكا مصرين على التمسك بالعراق متماسكاً ومستقراً.
فالعراق يعتبر الدولة العربية الوحيدة غير المخترقة من قبل التنظيمات الدينية السياسية، وهو أمر يضاف إلى ميزان حسناتها لدى المعسكر الغربي بصورة تؤهلها لأن تكون الدولة (النموذج) الذي يسعى الغرب إلى إشاعته في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، خاصة بعد أن أيقن الغرب خطر الإبقاء على أنظمة مخترقة كهذه على أمنه القومي بشكل عام بعد أن أفرزت تلك التنظيمات الدينية السياسية خلايا إرهابية هددت المصالح الغربية وأقلقتها سواء في عقر دارها، كما حدث في كارثة برجي التجارة في نيويورك أو في منتجعاتها السياحية، كما حدث في جزيرة “بالي” بإندونيسيا.
هي إذاً من المفارقات الغريبة أن يشكل العراق الديمقراطي خطراً على دول المنطقة أكثر مما يحمله عراق دكتاتوري كان متجانساً إلى حد ما مع دول أخرى محيطة به، لكن الدولة (النموذج) التي يسعى الغرب إلى إعلانها في العراق سيكون من الصعب عليها، إذا ما قامت، التعامل مع إرث طويل من الفوضى والقمع والإرهاب، ساد المناخ السياسي في دول الشرق الأوسط ولأكثر من أربعة عقود.
