شئون عربية

الصناعة كانت حلما وستبقى

“الصناعة… كانت حلماً وستبقى!”

توشك مرحلة ما بعد الثورة الصناعية وعهد الصناعة.. على الانقضاء.. حيث يدخل العالم في ثورة جديدة.. الثورة المعلوماتية.. وهي وإن كانت امتداداً للثورة الصناعية.. والتي شكلت انطلاقة إنسان العصر الحديث.. في دروب العلم والمعرفة والفائدة.. إلا أنها بلا شك قد فرضت واقعاً هو بلا شك متطور بصورة مخيفة عن الواقع الذي وفرته الثورة الصناعية من قبل!!
إلا أنه وبالرغم من تفجر الثورة المعلوماتية.. ثاني أهم ثورات البشر العلمية.. يقف الإنسان العربي.. والعالم العربي بوجه عام غريباً وجلا.. ومبهوراً.. بعالم هو أصبح كعالم السحر والخرافة.. والذي ألفه المواطن العربي في رواياته وقصصه!!
لا ننكر أن هنالك محاولات على صعيد العالم العربي.. سعت إلى خلق مجتمع صناعي.. قادر أن يغطي جزءاً – ولو كان بسيطاً – من المتطلبات المحلية!! وأن يوظف مجاميع المواطنين العاطلين الآخذة في ازدياد!! وقد رأينا من ذلك التجربة المصرية.. والسورية.. والعراقية!! وإن كان لكل من تلك التجارب.. خصائص فرضتها ظروف مرحلة التحول.. ومعطياتها!!
غير أنها جميعها قد أثبتت فشل المشروع الغربي في التحول نحو مجتمع صناعي!!
يرجع الفشل العربي في التصنيع إلى عوامل عديدة.. وإن كان للسيطرة العسكرية على الحكم نصيب وافر من أسباب الفشل!! حيث استهلكت محاولات التصنيع الحربي جانباً كبيراً من الجهد.. أدى إلى تجاهل الجانب الاستهلاكي المجتمعي.. وكما شهدنا في التجربة العراقية!! غير أن الأهم من ذلك.. هو جهل النخب الحاكمة بأسلوب التحول.. ومتطلباته!! والذي جعل من التجربة العربية في التصنيع مجرد محاولات إحلال استيراد المواد الأولية الصناعية بدلاً من المواد الاستهلاكية!! فأصبحت (المصانع) العربية محطات تجميع لما يستورد من المواد الخام والأولية.. ومكسباً للحزب أو للفرد الحاكم!!
لا شك أن التحول الصناعي.. تفرضه حاجة المجتمع.. لا رغبة الحزب أو الحاكم!! وهو تحول شأنه شأن أي تحول في المجتمع البشري تحتمه ظروف اجتماعية واقتصادية.. من علاقات اجتماعية.. ونظم.. ومفاهيم.. وأعراف!! وبذلك فهو لا يمكن أن يكون نتيجة القرار سياسي حتى وإن كان نزيهاً!! ولعلّ في التجربة الناصرية.. نحو خلق مجتمع صناعي.. خير دليل وشاهد على ذلك!! فلا أحد يشك في نوايا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. وحرصه آنذاك على مصلحة المواطن العربي لا المصري وحسب.. غير أن القفز السريع وتجاوز بعض من شروط ومتطلبات التحول.. كان يعني العودة من جديد.. إلى نقطة البداية!! وهو ما تشهده الآن الساحة المصرية من إقفال مستمر للمصانع والمعامل فيها!!
نحن في هذا الوطن.. قد كانت لنا تجارب بسيطة تتفق مع حجمنا المتواضع.. ولقد أكدت حقائقها أن للتحولات المجتمعية شروطاً لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها!! فجميعنا نذكر بطاريات “وارة”.. الصناعة الوطنية، والتي لم تصمد طويلاً.. لأنها لم تف بشروط التحول نحو الصناعة!! ولم توفر عائداً.
هنالك تجارب مشابهة لتجربة الوطن.. في مجتمعات عربية أخرى.. خاصة التي تتمتع بوفرة.. وفائض مالي!! تم فيها استيراد جميع عناصر التصنيع.. بمن فيها الأيدي العاملة.. والعقلية الإدارية.. بأعضائها!! وذلك بالطبع بخلاف المواد الخام!! وجميعها تجارب لم يكتب لها الاستمرار.. شأنها شأن تجربتنا في بطاريات “وارة”.. لأسباب منطقية جداً.. أبرزها أن الغاية من التحول نحو الصناعة.. مثل توفير مصادر دخل جديدة.. وتوظيف أيد عاملة!! ليست في سلم أولويات تلك التجارب.. والتي لا تزيد عن كونها أدوات إعلان وترويج.. غالباً ما نراها تتصدر ملصقات هذه الدولة.. أو إعلانات تلك!!
لعلّ المعضلة التي تواجه المجتمعات العربية الآن.. هي أن استيراد (التحول نحو الصناعة) لن يكون سهلاً في ظل ثورة المعلومات الجديدة.. والتي أثبت تسارع خطاها منذ انطلاقاتها.. أنه من الصعب جداً تجاوز شروطها!! وأن التخلف عن ركبها.. يعني أن علينا أن ننغلق على أنفسنا.. ونمتنع عن الحديث مع الآخرين.. بعد أن تكون قد باعدت بيننا وبينهم.. مرحلة جديدة – وبحسب رأي “داروين”.. في تطور العقل البشري!!
الصناعة في العالم العربي عموماً.. كانت حلماً.. ولا تزال وسيبقى الحلم حلماً.. لأن التحول نحو الصناعة.. سيجر معه حتماً تحولات أخرى.. لن يستطيع العقل العربي الحاكم أن يقبلها!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى