الإرهابملفات ساخنة

الذاكرة العربية

“الذاكرة العربية”

وسط أشلاء الجثث المتراكمة.. وصراخ الجرحى.. وفورة الدماء!! يصعب الحديث عن السلام.. وهو أمر أصر عليه (الرابحون) في مقاولات السلام.. فتراكضوا وتسارعوا للحديث باسم السلام.. ووجوب حمايته وانتشاله من (الأغراض الإرهابية) التي تعصف بجهودهم الممتدة على مدى أربعة أعوام!!
الوضع الذي تفجر مؤخراً بين إسرائيل.. وفصائل المقاومة الفلسطينية.. له دلالات عديدة بعدد المتصارعين فيه.. ومؤشرات عميقة بعمق الجدل والصراع التاريخي بين فصائله!! غير أن المؤسف والمثير في آن واحد.. أن خلاف المراقبين والمعلقين حول الأحداث الأخيرة.. قد تركز في تسميات شكلية.. وبين أن يكون الوضع (صراعاً) أم (إرهاباً)!! جهاداً أم عنفاً!! مقاومة.. أم شغباً وخروجاً على القانون والنظام!! والمضحك المبكي هنا.. أن الالتباس والحيرة في التسمية قد حسمتها أنظمة الدول العربية هذه المرة.. بحيث أصبح من الصعب معرفة مصدر الإدانة.. وكلمات التعاطف مع الدماء الإسرائيلية المهدرة.. ما لم يصاحبها إعلان عن الجهة والمصدر!!
الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأرض المحتلة.. هي لا شك امتداد للتدهور العربي.. الذي جعل العرب يعجزون عن التصدي للكيان الصهيوني في بدايته.. ويفشلون في كل حروبهم ونضالهم.. ويفرحون ويهللون لمزاعم دكتاتور بغداد!! إذن.. لا اختلاف على تأزم وتدهور الوضع السياسي العربي.. وإن كان الوقت قد حان لأن نشرع بتفسير لطبيعة العوامل التي أدت إلى استمرار ذلك الوضع المتفاقم.. والمنهار!! فالتدهور العربي لم يعد يعرقل قضايا داخلية.. وبرامج تنموية مستقبلية.. وإنما أصبح يشكل معوقاً رئيسياً للأمن وللاستقرار المستقبلي!! ومعالجة ذلك التدهور أصبحت اليوم قضية بقاء واستمرار!! في كل مرة ترتفع الأصوات فيها منددة ومستنكرة ذلك التدهور.. ينصب اللوم والغضب على أنظمة معينة حاكمة.. أو أحزاب وحركات سياسية قائمة.. أو إصلاحات وبرامج ثورية واعدة.. وبحيث أصبحنا نرى أن الخلل الوحيد والمسبب الرئيسي لذلك التراجع العربي.. هو في فشل تلك البرامج والأنظمة!! غير أن الواقع من حولنا أصبح يدفع تساؤلات حول حقيقة ذلك التفسير.. خاصة وأن الواقع السياسي العربي قد شهد تغيرات لأنظمة قائمة وإصلاحات لأحزاب سياسية.. وثورات راديكالية!! غير أن التدهور والكوارث العربية بقيت كما هي!! ولم تمس أي من تلك التغيرات واقع الأزمات السياسية المزمنة في حاضرنا العربي!! مما يعني أن علينا أن نبحث في مسببات هي لا شك أعمق وأشمل من مجرد نظام حكم فاسد.. أو حزب سياسي متخاذل أو متطرف!!
نحن بلا شك.. نعاني خللاً فظيعاً في الوعي العربي لمتطلبات.. وعناصر الإصلاح السياسي.. والمجتمعي.. خللاً في الوعي والذاكرة العربية كبيراً.. نحن نعاني خللاً على مستوى الأداء الشعبي.. قبل أن يكون خللاً على مستوى النظام السياسي القائم.. أو الحزب الحاكم!! حتى لقد اكتفينا بالهبات الوضيعة والتي قدمتها حركات التحرر والنضال.. والإصلاح في تاريخنا الحديث!! وكأنما كان العمل السياسي قاصراً على عزل حاكم فاسد.. أو طرد مستعمر غاشم!!
السياسة.. تعني أداء وإنجازاً يومياً لبناء مجتمع متكامل.. قادر على إطعام أفراده.. وتوفير متطلبات الحياة اليومية من عمل.. ومسكن.. وملبس!! فالسياسة ليست ثورة.. ونضالاً.. وتمرداً ورفضاً.. ومقاطعة فقط!! فتلك معاول لفتح الطريق نحو البناء!! غير أن الذاكرة العربية غير قادرة فيما يبدو على تخزين ومعالجة ذلك الشق من العملية السياسية!!
الوضع الفلسطيني الآن.. هو نتاج ذلك الخلل في الذاكرة العربية بوجه عام!! وهو خلل يجعلنا جميعاً ندفع الثمن باهظاً لاستمرار التدهور العربي.. والذي طالنا منه في هذا الوطن ألم فظيع يجعلنا نصر أولاً على إقامة الذاكرة العربية.. قبل التنديد بأنظمة الفساد والتخاذل!! فلا التطرف ولا الحافلات المفخخة كان بإمكانها أن تخترق مسيرة التسوية.. لو أن المواطن استشعر عائداً إيجابياً من برامجها!!
وسواء كانت حماس.. أو عرفات.. أو الأردن فإن أياً منه لن يكلف نفسه عرض إنجازات التسوية.. طالما بقيت الذاكرة الشعبية غائبة عن الوعي!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى