ملفات ساخنة

الخطأ الأمريكي.. والخطيئة العراقية

الخطأ الأمريكي.. والخطيئة العراقية

يقال إن الإدارة الأمريكية قد ارتكبت في السبعينيات من هذا القرن خطأ في سياساتها المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، مما جعلها اليوم تبدو أكثر تردداً في حسم مواقف وحالات كالحالة العراقية مثلاً. ويقال أيضاً إن ذلك الخطأ الأمريكي السابق قد كبد الولايات المتحدة الأمريكية خسائر جسيمة دفعتها إلى إعادة النظر في استراتيجياتها المستقبلية لما يتعلق بمنطقة منابع النفط!!
ويتلخص ذلك الخطأ في أن الإدارة الأمريكية لم تكن مستعدة بصورة جيدة لاحتمالات سقوط أقوى وأهم حلفائها في المنطقة، فسقوط آخر أباطرة الإمبراطورية الشاهنشاهية كان مفاجئاً إلى حد ما، وبصورة مكنت الإرادة الشعبية في إيران تحت قيادة الإمام الخميني من فرض شروطها ومطالبها، من دون أن يكون للحليف الأمريكي السابق دور في أحداث الثورة الإيرانية!!
لا شك أن ذلك الخطأ قد خلف دروساً جعلت الإدارة الأمريكية عاجزة حتى الآن عن حسم الوضع في العراق، على الرغم من كل الضغوط الدولية والشعبية التي لا تتوانى أحياناً عن اتهام الولايات المتحدة مباشرة في استمرار بقاء نظام صدام حسين في العراق!!
إذاً يفسر البعض التردد الأمريكي عن حسم الوضع في العراق، على أنه بسبب غياب البديل المؤهل لاحتواء بلد كالعراق بمشاكله الاقتصادية وتكتلاته الطائفية، وتقسيماته العرقية!!
ويبرر ذلك البعض أن التردد الأمريكي مدروس بصورة تضمن عدم سقوط العراق من القبضة الغربية كما سقطت إيران من قبل!!
غير أن مشاهد كثيرة من الموقف القائم الآن تؤكد بصورة كبيرة أن ذلك التردد الأمريكي قد خلق أوضاعاً خطرة، لا تقل خطورة على التواجد الغربي من المخاطر التي أتت بها الثورة الإيرانية!! فالملاذات الآمنة في الشمال والتي رسمها الأمريكيون، أصبحت أرضاً مشاعاً، وحلم الأكراد في دولة تجمعهم أصبح أداة في يد كل من له مصلحة في تفتيتهم وتقسيمهم!! فالجميع يستغل فوضى تلك الملاذات، ويسعى لأن يجني من خلالها ما استطاع، فتركيا تسعى لأن يتحقق حلمها بضم مدينة الموصل، وإيران تتحرك بنشاط لتحقيق طموحاتها بتحويل العراق إلى دولة إسلامية مجاورة!! بل وحتى صدام حسين والذي يفترض أن يكون مقيداً ومكبلاً بالعقوبات الدولية استطاع أن يتحرك في تلك الفوضى وأن يتمدد إلى الشمال ملبياً دعوة مسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني!!
ولا يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية جاهلة باحتمالات الفوضى تلك، إلا أنها وعلى ما يبدو لم تضع عامل الزمن في حسابها!! فالملاذات الآمنة قد جاءت كحل مؤقت إلى حين سقوط صدام حسين والذي كان متوقعاً في أعقاب حرب الخليج الثانية، غير أن استمراره وبقاءه بهذه الصورة، وطوال هذه الفترة قد أدى إلى تدهور الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في شمال العراق بصورة مقلقة ومخيفة!!
لقد استحدثت الإدارة الأمريكية في أعقاب حرب الخليج، أسلوباً جديداً لإدارة الخليج، يقوم على أساس بناء التوازن في منطقة الخليج بدون الاعتماد على العراق أو إيران!! وتنطلق تلك السياسة من أن كلا النظامين اليوم يتبعان سياسات معادية لمصالح الولايات المتحدة، وبما أن سياسة بناء وتقوية دولة لتقف ضد أخرى هي بالنتيجة سياسة مرفوضة، فإن البديل سيكون بالاحتواء المزدوج بكليهما معاً!! وهذه أيضاً سياسة أثبتت فشلها تماماً كسياسة الملاذات الآمنة وبشهادة مارتن أنديك صاحب نظرية الاحتواء المزدوج والذي حاول من خلال لقاء معه مؤخراً أن يؤكد نجاح تلك السياسة والتي جعلت صدام حسين يلتزم بقواعد السلوك الدولي، وأدت إلى إضعاف إيران وعزله، وكما يتوهم الدكتور “مارتن أنديك”!!
هنالك بلا شك خوف من احتمالات التغيير في بلد يحوي من عناصر الانفجار ما بإمكانه حرق وتدمير المنطقة بأسرها.
فالعراق يحمل من مقومات الانفجار الكثير والكثير، هي طائفية إن شاءها اللاعبون، أو عرقية إن هم اختاروا ذلك!! وهو واقع يزداد سوءاً مع استمرار التردد الأمريكي عن حسم الموقف ومع تراكم غضب وسخط الذين حاصرتهم العقوبات الدولية من دون أن تطال المجرمين الحقيقيين مما يجعل من الخطأ في الحسابات العراقية، خطأ بلا مغفرة، وإذا كان الخطأ الأمريكي الأول قد أسقط إيران من قبضتهم، فإن الخطأ في الحالة العراقية سيسقطنا جميعاً في خطيئة لا غفران فيها!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى