شئون عربية

الجزائر والسيادة المزعومة

الجزائر والسيادة المزعومة

ما الذي يحدث في الجزائر اليوم؟؟ وما حقيقة وحجم الأحداث الدموية فيها؟ ولماذا يحدث كل ذلك القتل والموت؟ أسئلة لا تتوقف أبداً، بل أصبحت ترتفع مذهولة ومصدومة مع كل إعلان عن مذبحة أو مجزرة بشرية في الجزائر، ومع ذلك تبقى الأحداث فيها معزولة عن أي إجابة قاطعة أو أي تفسير منطقي أو طبيعي!!
لقد أصبح مسلسل الدماء الدائم في الجزائر مبعث قلق وخوف ليس على المستوى العربي وحسب، وإنما على المستوى الدولي، الذي وإن كان قد احترم الحق الجزائري المطلق في السيادة، إلا أن تطورات الوضع وبشاعة الصورة في الجزائر، جعلت المجتمع الدولي بكل فئاته وأجناسه، يخرج عن ذلك الصمت مطالباً بتحرك سريع لإعادة الإنسانية، والعقل لجزائر الدم والموت!!
قد يكون من الصعب التكهن بانفراج قريب أو حتى بعيد للأزمة الجزائرية. أسباب تتعلق مباشرة بدرجة النفوذ العالية لأطراف متناحرة ومتنافسة داخل المجتمع السياسي الجزائري.
ففي تعليق لأحد رجال السياسة الجزائريين حول أسباب وطبيعة مسلسل العنف في الجزائر، يقول فيه: إن بعض تلك المجازر قد وقع في قرى تلتصق بها ثكنات جيش، كان بإمكانها التدخل للحد من نهر الدماء المتدفق، غير أن شيئاً من هذا لم يحدث أبداً، لأسباب لا تتعلق بالمقدرة وإنما بالرغبة الحقيقية لتلك القوى في المساهمة في حقن تلك الدماء وهو ما يفسر الأسباب الكامنة وراء لاءات الجزائر الثلاث التي أعلنت مؤخراً حول رفض السلطات الجزائرية للتحقيق الذي يطالب به المجتمع الدولي بشأن المذابح والمجازر. كذلك رفضها للمساعدات الإنسانية وأيضاً رفض السلطات الجزائرية الحوار مع جبهة (الإنقاذ)!!
الحكومة الجزائرية بررت لاءاتها الثلاث ورفضها التدخل الدولي بأنه حماية لسيادتها، وتعبيراً عن رفضها لأي تدخل في شؤونها الداخلية!! بينما يرى المجتمع الدولي ضرورة الضغط على الحكومة الجزائرية، ووجوب التدخل المباشر بحجة أن الحكومة فيها غير قادرة على حماية أرواح مواطنيها.
وفيما بين الرأيين يبرز مبدأ السيادة وعما إذا كانت مسألة مطلقة حتى وإن كانت في ظل ظروف شاذة كالتي تعيشها الجزائر اليوم!! وفي ظل ضحايا تتضاعف أعدادها يومياً.
المجتمع الدولي مطالب اليوم باختراق السيادة الجزائرية، وبإجماع الكل خاصة وإن هذا المجتمع، وتحت مبادئ النظام العالمي الجديد قد سبق له أن اخترق (سيادة) دول أخرى، كما حدث في هاييتي والصومال ويوغسلافيا الممزقة ليفرض قوانينه الجديدة، كما أن المجتمع الدولي بنظامه العالمي الجديد يملك الكثير من أدوات الضغط التي يستطيع أن يجندها في تعامله مع الوضع في الجزائر. فهو يستطيع أن يمنع المساعدات الدولية للحكومة الجزائرية من خلال المؤسسات العالمية كالبنك الدولي على سبيل المثال، وغيره من ترتيبات الائتمان!!
إن ما يحدث الآن على المسرح الجزائري لا يمكن أن يكون شأناً داخلياً، أو حقاً مشروعاً في التمتع بسيادة أو استقلال. فالمجازر التي تقترف بصورة شبه يومية، والأرواح التي تسقط والدماء التي تسيل كلها خطايا تتحملها البشرية بوجه عام، وتهدد ذيولها ومخلفاتها الإرث البشري الأخلاقي في كل مكان لا في الجزائر وحدها، وانطلاقاً من ذلك الإدراك، ومن ذلك الشعور الخفي بالذنب تجاه ما يحدث في الجزائر وهو شعور أصبح يلازمنا جميعاً أمام كل مذبحة جديدة تنفجر فيها دماء الأبرياء، والشيخوخة الجليلة، نقول، انطلاقاً من ذلك الشعور، فقد انطلقت الترويكا الأوروبية، وأعلنت واشنطن عن الحق المشروع للمجتمع الدولي في الحصول على معلومات وافية حول ما يحدث في الجزائر. غير أن كل تلك الجهود بقيت في خانة الانتظار بعد أن رفضت (الشرعية) الجزائرية استقبالها، متذرعة بسلاح (حق السيادة) المزعوم!!
كل هذا والعالم العربي والإسلامي صامت، اللهم عدا استنكار هنا، ودعوة هناك، بينما الأطراف المتناحرة في الجزائر ترمي بالمزيد من الجثث في نار الفتنة والدمار.
فالسلطة في الجزائر تتهم جبهة الإنقاذ المحظورة. والجبهة بدورها تتهم السلطة بينما الأطفال والشيوخ والأبرياء يدفعون فواتير تلك الاتهامات دماً، وروحاً، وجسداً. والجميع يتسلح ويتخفى وراء حق مزعوم بالسيادة المطلقة، حتى وإن كانت أرواح كل الجزائريين هي الثمن لتلك السيادة!!
العالم كله مسؤول عما يحدث في الجزائر والوضع أصبح يتطلب اختراقاً دولياً للسيادة الجزائرية، قبل أن يصبح المثال الجزائري الحالي، سابقة يحتذي بها بعض أصحاب الطموح المجنون… وما أكثرهم في عالمنا اليوم!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى