التنوع الثقافي أصبح نقمة

التنوع الثقافي أصبح نقمة
يعد العراق وسوريا، وبلاد الشام بشكل عام، من أكثر الدول العربية تعدداً وتنوعاً من حيث الجماعات الإثنية والعرقية والعقائدية.. فإلى أي مدى كان لهذا الموزاييك الثقافي والعرقي والإثني أثر فيما تشهده هذه الدول من حروب وصراعات وتدمير وقتل؟
الطائفية أصبحت اليوم سمة من سمات الحرب الدائرة في سوريا، فهناك الطائفة العلوية، التي تشمل السلطة وكبار المسؤولين والقادة، وهناك الأغلبية السُنية المسلمة، وهناك أيضاً الأقليات العرقية والدينية الأخرى، من أرمن ومسيحيين ودروز وأكراد وتركمان وسريان وغيرهم.
أما في العراق، فهناك العرب والأكراد والتركمان والمسيحيون واليزيديون والشبك وغيرهم.
وفي كلتا الدولتين هناك لغات، باختلاف الأديان والأعراق، فهناك اللغة الكردية والتركمانية والسريانية والأرمينية والمندائية.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن فوراً؛ هل يقف مثل هذا التنوع العرقي والفسيفساء الإثني وراء ما تشهده هذه الدول من حروب مدمرة؟ بمعنى آخر، هل يمكن اعتبار التنوع داخل مجتمع بشري مصدراً لخطر ونقمة، أم أنه نعمة تم استغلالها من قِبل الأحزاب والقيادات الدينية والسياسية؟
لاشك في أن الاحتمال الثاني هو الأقرب، وذلك بمقارنة وضع تلك الدول العربية بوضع دول تفوقها من حيث التنوع، كالهند مثلاً، التي يتمتع سكانها، البالغ عددهم مليار نسمة، بمعتقدات دينية مختلفة، وعادات متباينة ولغات تقدَّر بالمئات، لكنها تمكنت من استثمار ذلك التنوع في وحدة جعلتها مثالاً للدول المحيطة بها التي «بلقنتها» تعدديتها، كما حدث في البلقان.
البداية كانت من الرئيس الأسبق نهرو، الذي استثمر خصوصية الواقع الهندي، بإصراره وعمله على ضرورة احترام القيم المختلفة التي تحكم مكونات المجتمع الهندي.
ومنذ استقلال الهند، مثّل النظام الفيدرالي والديمقراطية العاملين الأساسيين في إدارة الأزمات في الهند وحلها.
التنوع بحد ذاته نعمة، لكن النقمة تكون حين يتم توظيف مثل هذا التنوع واستغلال الهويات الدينية والعرقية في الصراع السلطوي، وبحيث يتم استقطاب هوية من دون أخرى، لخلق حالة من التصادم التي قد تخدم فئة في مرحلة معينة.
فأي حراك أو ثورة أو انتفاضة سياسية يكون أساسها مناصرة هوية دينية بحد ذاته، أو عرقية أو مذهبية، يكون مآلها أن هذه الهوية أو المذهب أو العرق يصبح “الأداة” في الصراع مع هويات أخرى.
ما يحدث اليوم في العالم العربي قد يكون أكثر تعقيداً من ذلك، لكن جزءاً كبيراً من المشكلة يعود إلى “الأدلجة” المتعمدة لبعض الهويات، وبالأخص المذهبية، وكما يحدث في حالتيْ السُّنة والشيعة، بشكل جعل من التعددية في عالمنا نقمة قبل أن تكون نعمة.
