شئون خليجية

البحرين.. قربان وحدة المصير

جريدة الطليعة 12 - 1995/4/18

وأخيراً.. أيقنا نحن دول الخليج بخطورة حساسية الوضع في البحرين!! وأدركنا حقيقة وحدة المصير التي طالما تصدرت خطبنا البلاغية.. وشعاراتنا النثرية!! جاء ذلك من خلال التصريح الكويتي المعبَّر عن أن ما يصيب البحرين يصيب الكويت والخليج ككل!! وإلى نجدة اقتصادية ومعنوية تخرج البحرين من محنتها!!
وعلى الرغم من أن تفاصيل الأحداث في البحرين.. تضعها في خانة الأزمات السياسية الداخلية.. حيث تنص المطالب الشعبية على إعادة العمل بالدستور.. وحل مشكلة ثلاثين ألفاً من المواطنين العاطلين عن العمل!! إلا أنها تأتي لتشكل امتحاناً عسيراً لحقيقة الروابط الخليجية!! فمن حيث تدري البحرين أو لا تدري.. فقد أخرجت أزمتها إلى السطح.. تساؤلات كثيراً ما أثارها المواطن الخليجي عن ماهية العلاقات التي تربط دول الخليج ببعضها البعض!! وعن مدى جدية العمل وفقاً للبنود والأهداف التي تصدرت إعلان مجلس التعاون الخليجي!! خاصة وإن كل اللقاءات التي عقدها مجلس التعاون من إعلانه.. لم يستقر أي منها في مصلحة المواطن الخليجي!! حتى لقد اتصف المجلس بكونه المظلة التي تؤمّن قبولاً وتأييداً للأنظمة السياسية في الخليج.. ممّا قد يعجز عنه المواطن ذاته!!
لقد جاءت مأساة الغزو العراقي للوطن.. ثم أزمة الحدود بين السعودية واليمن!! لتطرح تساؤلاً حرجاً.. وهاماً في آن واحد.. بشأن العلاقات الإقليمية في منطقة الخليج!! والأسس التي تم على ضوئها.. رسم إطار التعاون الخليجي ممثلاً بمجلس التعاون بل ويذهب البعض إلى اعتبار أن من الأسباب التي أثارت النزاعات السابق ذكرها.. سواء كانت أزمة الغزو العراقي.. أو أزمة الحدود السعودية اليمنية قد كانت أسباباً ذات علاقة بالمجلس الحالي ولم تكن هذه فقط ملامح القصور في صيغة التعاون الإقليمي الخليجي.. وإنما جاءت الآن وفي أعقاب أحداث البحرين.. لتؤكد وبشكل قاطع فشل المجلس وعجزه عن احتواء مشاكل أعضائه!! خاصة وأن المعضلة الدستورية والاقتصادية.. والتي أعلنت الكويت على لسان وزير خارجيتها.. استعدادها للمساعدة في حلها!! لم تكن وليدة الأحداث الأخيرة.. وإنما سبقتها مؤشرات أخرى كثيرة.. اتخذت من الشارع البحريني مسرحاً لها.. معبرة عن تراكمها الذي أدى إلى الانفجار الأخير!!
لا نريد أن يكون تعاطفنا كدول خليجية مع البحرين في أزمتها.. نثراً وشعراً!! فإن لم يكن تعاطفاً قوامه إحقاق الحق!! فليكن على الأقل تعاطفاً عملياً.. تفرضه المصلحة البحتة!! بمعنى أن نتعامل مع مفردات وحدة المصير والمستقبل الواحد.. والطريق الواحد.. والتي طالما ذيلت خطاباتنا وأناشيدنا.. تعاملاً جدياً!! فإذا كانت التصريحات الرسمية تتحدث عن (تورط) أطراف أجنبية دخيلة في الأحداث الأخيرة في البحرين!! فالمنطق يقول أيضاً أن لا شيء يمنع كذلك خروجها من البحرين.. لتجد امتداداً سريعاً في باقي دول الخليج!! فجغرافياً الحدود لا تحتجز الأحداث ولا القلاقل!! والفتن والأزمات لا تحتاج جواز مرور ولا تصريح عمل!!
لقد شاء القدر للبحرين أن تكون القربان الذي سيعيد إلينا وعينا عن حقيقة وكنه الترابط. والطريق الواحد.. خاصة وأننا كدول خليجية لا نملك من صفة الترابط سوى ما جاء في مفردات بيانات الاجتماعات الخليجية.. أو ما دوّن في صحائف مجلس التعاون الخليجي!! فلا نحن خليجيون بمعنى أننا نملك صيغة مشتركة للأمن الخليجي!! ولا نحن عرب بالتزامنا بإعلان دمشق!! وإنما تركنا شؤون الأمن مفتوحة للأهواء والمقترحات.. الغربية.. التي أسميناها خطأ.. اتفاقيات أمنية!!
الأزمة البحرينية فرضت واقعاً ولا شك ينذر بخطر هو من بين أضلعنا!! فلا هو بغزو صدامي يشكل خطراً على منابع النفط الحيوية.. ويثير قلق الغرب الصناعي ليهب للنجدة من جديد!! ولا هو بمؤشر يهدد مسيرة السلام العربية الإسرائيلية.. لتعقد المفاوضات الثنائية من أجله!! بل هو صرخة من قلب الخليج تطلب عدلاً وخبزاً!! وهما بالتأكيد لا يشكلان خطراً على مصالح غربية.. ولا تهديداً لمسيرة السلام الإسرائيلية – العربية!!
يخطئ من يرى في الحديث عن الأزمة البحرينية.. إثارة.. وإشعالاً للوضع!! أو تهديداً للعلاقات التي تربط دول الخليج ببعضها!! بل بالعكس من ذلك تماماً.. فالحديث عمّا يجري في البحرين، والتعاطف مع ذلك الكيان الخليجي الصغير!! يؤكد جذور وحدة المصير.. والمستقبل!! خاصة وأن المواطن الخليجي قد أثبت بشكل قاطع إيمانه بتلك المبادئ ويقينه بالمصير الواحد.. وذلك من خلال تجربة غزو النظام العراقي للوطن!!، وهو – أي المواطن – لا يريدها وحدة وتلاحماً للشعوب الخليجية وحسب!! وإنما يريدها وحدة وتلاحماً على مستوى الحكومات والأنظمة والمؤسسات التشريعية في الخليج!! ويقيناً شاملاً بوحدة المصير.. ومعها الحدود التي يفرضها النهج القائم الآن لمجلس التعاون الخليجي!!

الطليعة 12 – 1995/4/18

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى