ملفات ساخنة

الإسلام بريء من عنف هؤلاء

[جريدة القبس 26/5/1997]

لماذا تحاول بعض الأطراف الإسلامية عندنا تبرئة “جبهة الإنقاذ” من المذابح اليومية في الجزائر؟ إننا نخشى تكرار المشهد الجزائري الدامي في أقطار إسلامية أو عربية أخرى
هنالك محاولات تقف وراءها أطراف معروفة لإنكار حقيقة حمامات الدم في الجزائر. وهي محاولات لا ترمي إلى التشكيك في حجم ودرجة مذابح الأبرياء وحسب، بل إلى تبرئة جبهة الإسلام السياسي في الجزائر من ذنب سفك تلك الدماء، واتهام الإدارة السياسية بفبركة كل تلك المشاهد والأحداث الدموية، وتحميل الحكومة الجزائرية خطيئة الحرب الداخلية، حين ألغت نتائج الانتخابات البرلمانية.
وعلى الرغم من مأساوية الأحداث في الجزائر، وبالرغم من العلانية التي تمارسها “جبهة الإنقاذ” لمجازر الذبح، إلا أن الإسلام السياسي في هذا الوطن لا يزال مُصراً على التزام الصمت، أو الإنكار التام لحقيقة دور “جبهة الإنقاذ” في أحداث الجزائر الدموية.
لقد أثبتت دراسات وإحصائيات العنف السياسي في الوطن العربي، أن الجماعات والتنظيمات الإسلامية تأتي على رأس القوى السياسية والاجتماعية التي مارست العنف السياسي. وفي كتابه عن “ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية” يتحدث الدكتور حسنين توفيق إبراهيم عن إحصائيات رصدها أثناء فترة الدراسة لظاهرة العنف، والتي أوردها في كتابه الصادر في يناير 1992، يتحدث عن أن 78 حدثاً من أحداث العنف قد مارستها بعض الجماعات والتنظيمات الإسلامية في تسعة أقطار عربية هي:
سوريا (50) ومصر (8) والجزائر (8) والعراق (4)، والسعودية (3) والبحرين (2) واليمن (1) وتونس (1) والمغرب (1). وقد مارست تلك الجماعات أنماطاً مختلفة من العنف السياسي هي بالترتيب: (23) عملية اغتيال، و(16) عملية محاولة اغتيال، من أصل (78) حدثاً هي جملة الأحداث التي مارستها تلك الجماعات. وهي أرقام تقتصر على فترة الدراسة التي أعدها الدكتور حسنين توفيق إبراهيم، ولا تشمل ما أعقبها من أحداث دموية بفعل جماعات الإسلام السياسي، بما فيها أحداث الجزائر محور حديثنا هنا.
نحن نأسف جميعاً، ولا شك، ونقرف في آن واحد، لما آل إليه الوضع في الجزائر، كما أننا لا نخفي خوفنا من تكرار المشهد الجزائري في أقطار عربية إسلامية أخرى، خاصة في ظل التكتم والتجاهل اللذين تمارسهما أحزاب الإسلام السياسي وتكتلاتها تجاه ما يحدث في الجزائر والتي عليها إن كانت صادقة للإسلام ومتبعة لأوامره ونواهيه، أن تعلن إدانتها واستنكارها لما يحدث من قتل وتمثيل يمارسه المسلم بحق أخيه المسلم.
لقد أصبحت الصورة العالمية التي تقرن المسلم بالإرهاب والعنف، صورة قائمة ومؤسفة، تتطلب من الشعوب الإسلامية بأحزابها وتكتلاتها وجماعاتها دوراً نشطاً وصادقاً في سبيل إزالة تلك الشواب الطفيلية عن وجه الإسلام الناصع، وعن واجهة العقيدة السمحاء والمسالمة.
لا أحد ينكر على هؤلاء حقهم السياسي ولا طموحاتهم القيادية، لكن ذلك لا يعني أن لهم حقاً في ممارسة العنف والقتل، وإن حدث وفعلوا ذلك، فلا حق لهم في التحدث باسم الدين والإسلام، ونسب ممارساتهم الإرهابية إلى تعاليم إسلامية عقائدية.
لقد عكست ممارسات الجماعات والتنظيمات الإسلامية، وفي أحيان كثيرة، درجة التنظيم والتسلح داخل صفوفها، مما مكنها من القيام بمواجهات مسلحة في وجه جيوش وقوات نظامية، سعت من ورائها لتغيير أنظمة سياسية، وتحقيق طموحات قيادية دنيوية بحتة لا شأن لها بالدين والعقيدة.
نتمنى جميعاً لو أن مذابح الجزائر لم تُقترف بأيدي (إسلام سياسي)، فالدين ديننا جميعاً، والغيرة عليه ليست قصراً على المتحدثين من منبر جمعية دينية، لكن الأمنية لن تخلص الإسلام من دموية البعض، والأحرى بالمتحفظين عن إدانة (إسلام الجزائر) أن يعملوا صادقين لتخليص الجسد الإسلامي، وتبرئته من دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في الجزائر!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى