شئون دولية

الإرهاب النووي

الإرهاب النووي

المشروع الأمريكي القاضي بنزع أسلحة العراق، وإعلان حكومة عسكرية مؤقتة إلى حين تسلم حكومة مدنية منتخبة مهام القيادة في العراق، هذا المشروع أصبح يطرح مقارنة من التاريخ حول مشروعات مشابهة للمشروع المتوقع في العراق، أهم تلك الأحداث التاريخية المشابهة هو ما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة لألمانيا فقد قام الحلفاء باحتلالها عسكرياً قبيل انتهاء الحرب الثانية، حيث قسمت ألمانيا إلى أربعة محاور في البداية؛ محور تحت سيطرة الولايات المتحدة، وآخر تحت الاتحاد السوفيتي ثم لبريطانيا وآخر لفرنسا، حيث قامت هذه الدول الأربع بإدارة برلين، ثم أعلن الحلفاء سياستهم القاضية بتجريد ألمانيا من السلاح، وحظر الحزب النازي، ومحاكمة العديد من القيادات النازية بتهم جرائم حرب.
أما في اليابان، فقد أُعلِنَ الحكم العسكري في أعقاب هزيمة اليابان، وكان للولايات المتحدة نصيب الأسد من ذلك الاحتلال لكونها الرائدة في ذلك الانتصار الحربي على اليابان، وأدار الجنرال ماكارثر الحكومة العسكرية كقائد أعلى للقوات المتحالفة، فوضع ماكارثر دستوراً في عام 1947 يقضي بتسليم السلطة للشعب بدلاً من الإمبراطور، وإعطاء المرأة اليابانية حق التصويت، وأيضاً تجريد اليابان من الحق في التسلح إلى أن انتهى الحكم العسكري في عام 1951 بتوقيع اتفاقية سلام.
اليوم ونحن نتابع تطورات الوضع في العراق يستعيد الكثير من المتابعين للحرب المحتملة ضد نظام بغداد هذين المثالين من التاريخ لإجراء مقارنة بين الوضع الراهن، وتلك الأوضاع التاريخية! ويتساءل هؤلاء: هل يمكن حقاً منع دولة من التسلح في زمننا هذا؟ أي في ظل تكنولوجيا العصر الحديث، وسرعة حركة المعلومة وتطور أنظمة الاتصال وتخزين المعلومات وتسريبها وكل ما توفره أجهزة التكنولوجيا والكمبيوتر وغيرها؟
حين امتلكت الولايات المتحدة أول قنبلة نووية واستخدمتها في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، دب الهلع والخوف في العالم بعد أن أدرك حجم الدمار الذي قد يسببه السلاح النووي، وضاعفت من ذلك الخوف التجربة النووية الأولى في الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، ثم في الصين وفرنسا وبريطانيا والهند، لتكر السبحة وتصبح القنبلة النووية في متناول دول صغيرة كإسرائيل! وعلى الرغم من محاولات العالم عقد اتفاقيات ورسم خطط وسياسات لمراقبة الاستخدام اللا سلمي للطاقة النووية إلا أن أياً من تلك الجهود والمحاولات لم ينجح في تحجيم ذلك الطموح البشري لامتلاك آلة الدمار النووية! وإذا كان ذلك هو حال فترة الخمسينيات والستينيات التي لم يصل معها العالم بعد إلى هذا التفوق التكنولوجي والعلمي، فكيف هي الحال إذاً في زمننا الحاضر، حيث يتحدثون فيه عن قنابل بحجم كرة المضرب، وتفجيرات تتم بشفرات إلكترونية، وتجارة سلاح رائجة وشائعة؟!
في أحد الأفلام التي أنتجتها هوليوود مؤخراً تدور أحداث الفيلم في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب حرب عام 1967، حيث يقوم أحد تجار السلاح ممن جمعوا مخلفات تلك الحرب ببيع قنبلة نووية لأحد الإرهابيين الذي يحملها إلى أمريكا ليفجرها في إحدى الولايات هناك! ويصور الفيلم حجم الأضرار البشرية والدمار البيئي، الذي يسببه انفجار القنبلة!
لا شك أن أفلاماً كهذه تعكس واقعاً مخيفاً يعيشه العالم اليوم في ظل ذلك الزحف المخيف لآلة السلاح النووي وآثاره المقلقة! أما الجانب المثير للفزع حقاً فيكمن في عجز العالم أمس واليوم وأيضاً في الغد، عن محاصرة ذلك الامتداد العسكري النووي الذي لن تنجح في تهذيبه مباحثات سياسية أو اتفاقيات دولية أو حتى منع تسلح!
إذاً لا يمكن أن نقارن تحجيم اليابان أو ألمانيا عسكرياً في منتصف القرن الماضي، مع المشروع الأمريكي القاضي بنزع أسلحة العراق حالياً، لأن بين الحالتين مساحة من الزمن اخترق فيها عقل الإنسان كل ما هو مألوف من علوم واختراعات، وأصبح فيها السلاح سلعة وصناعة رائجة، أما العنف والإرهاب فقد تحولا إلى لقيط بلا هوية ولا ملجأ بعد أن أصبح الإرهاب نووياً!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى