شئون خليجية

الأمن الخليجي.. وساحته

[جريدة الطليعة 15/1/1997]

أكد وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز أن المملكة لا تزال تواصل التحقيق حول اعتداء “الخبر” الذي أودى بحياة 19 عسكرياً أمريكياُ في يونيو الماضي. وقد جاء ذلك في رد وزير الداخلية السعودي على خبر أوردته الصحف الأمريكية عن ضلوع سعوديين شيعة بدعم من إيران في قضية التفجير. حيث أكد الوزير نايف أن السعودية لم تجرم أحداً ولم تبرئ أحداً وأن ذلك أمر متروك لنتائج التحقيق.
وسواء أكدت حيثيات التحقيق تورط إيران في تفجير “الخبر” أم لا فإن علاقة دول المنطقة بإيران قد أصبحت رهن تساؤلات محيرة للمنطقة ولشعوبها بوجه عام!
لا شك أن علاقة تاريخية تربط بين دول الخليج وإيران، وهي علاقة أرست مقومات تعاون بين طرفي الخليج، الطرف الفارسي من ناحية والطرف العربي من الناحية الأخرى، هي علاقة إذن يحكمها ويمليها الوجود المشترك لتلك الكيانات.
مشكلة العلاقة العربية مع إيران حالياً، ليست بسبب نزاعات تاريخية بل وعلى العكس من ذلك تماماً فالعلاقة التاريخية تؤكد نقاط التقاء كثيرة بين الطرف العربي من ناحية، والطرف الفارسي من ناحية أخرى، فتزايد الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج قد دفع بالطرفين إلى تعاون حقيقي في مجالات اقتصادية وسياسية لمواجهة تلك الأطماع الخارجية المتزايدة في المنطقة، هذا بالإضافة إلى أسس التعاون التي تفرضها وحدة العقيدة والدين.
لا ينكر أحد أن هناك نقاط نزاع بين الطرفين العربي والفارسي، تماماً كما كانت هناك نقاط تعاون ولقاء، غير أن تصاعد حدة النزاع التي ظهرت بقوة خلال العقدين الأخيرين لها أسباب أخرى كثيرة، لا علاقة لها بالنزاعات الحدودية والتي غالباً ما ميزت روح النزاع وصبغته بين الطرفين الفارسي والعربي وبحيث كانت دائماً العنوان الوحيد لطبيعة العلاقة المتوترة بين الطرفين، ولظروفها القائمة.
قضايا الحدود بين دول الخليج العربية وإيران هي محط نزاع ما في ذلك من شك، خاصة مع الاكتشافات النفطية في المنطقة، غير أن اعتماد تلك القضايا كأساس لتدهور العلاقة بين المنظومة الخليجية العربية وبين إيران خلال العقدين الماضيين، يعتبر تطرفاً في الرأي، وتجاهلاً لعوامل أخرى، طغت أهميتها مؤخراً خاصة في أعقاب حرب الخليج الثانية، على كل مقومات النزاع السابقة والحقيقية.
يرى “أنتوني ليك” مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي أن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي “بيل كلينتون” تبدأ من مقدمة منطقية مفادها أن كلا النظامين العراقي والإيراني يتبعان اليوم سياسات معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة بناء وتقوية دولة لتقف ضد الأخرى، هي بالنتيجة مرفوضة، والبديل سيكون بـ”الاحتواء المزدوج” لكليهما معاً، ففي تبني هذه السياسة لسنا بغافلين عن الحاجة إلى توازن القوى في هذه المنطقة الحيوية وبالأحرى نحن نسعى مع حلفائنا في المنطقة للاحتفاظ بتوازن معقول بدون الاعتماد على أي من العراق أو إيران.
استراتيجية منطقية، ووجهة نظر طبيعية جداً وتتلائم بلا شك مع مصالح الغرب المتزايدة في المنطقة، خاصة بعد أن اتضح علمياً استمرار اعتماد العالم وللمائة عام القادمة على النفط كمصدر رئيسي ورخيص للطاقة، شريان الحياة وهدفها لدى العالم الصناعي.
هو إذن صراع الآخرين، وإن كان بأدوات وأياد خليجية وإيرانية. وهو نزاع يأتي معبراً عن مصالح لقوى أجنبية، وإن كان عبر وسطاء محليين وإقليميين. وإذا كان منطق الآخرين ومصالحهم قد دفع بهم لإثارة النزاع والخلاف بين كل الأطراف في منطقة الخليج، دفاعاً عن أهدافهم فإن الجدير بدول المنطقة أن تتسلح بمنطق مشابه، وأن تعي الأطراف كلها أن التحديات الحضارية هي واحدة لدول الخليج كلها بطرفيها العربي والفارسي. وبأن الوقت قد حان لإنهاء خطاب الأزمات والتصعيد خاصة بعد أن تزايدت وتشعبت المخاطر والتحديات المشتركة وأصبحتإسرائيل تقتات من الفوضى والتوتر في الخليج، وتقرن استقرارها بفوضى الآخرين وصراعهم.
إن التوجس والخوف من إيران لا يلغيها كشريك تاريخي، وجغرافي، لدول المنطقة العربية، ومحاولة البعض تصعيد قضية الجزر بين الحين والآخر لا شك يقف شاهداً، على أن قضية الخلاف والاختلاف بين الأطراف الخليجية، ليست قضية جزر، بل قضية قصور في تحديد معالم الأمن المطلوب للمنطقة وساحته، وبين أن تكون ساحة عربية خليجية ضيقة، أو ساحة إقليمية واسعة!!

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى