الأغنية والسلطان!

الأغنية والسلطان!
في كتابه الصادر في فبراير 2011، يستعرض الكاتب بلال فضل شهاداته عن مصر قبيل سقوط نظام مبارك، ويتناول فصولاً تقشعر لها الأبدان، تتحدَّث عن عنف ودكتاتورية وبوليسية النظام المصري السابق.
وفي 6 أكتوبر 2010، كتب بلال فضل مقالاً تناول فيه تفاصيل إقالة الأستاذ إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير “الدستور” بطريقة تعسفية.
وهنا يستشهد فضل بقصيدة قديمة اسمها “الأغنية والسلطان” للشاعر محمود درويش، ويهديها إلى كل صحافي مصري شريف يضحي بحريته وأمانه، من أجل ما يعتقد أنها الحقيقة، وأيضاً إلى كل قلم حُر يحارب عبودية الفساد والظلم والإفقار، وإلى كل من يمتهن الكتابة، فيهينها عندما يعتقد أن الصمت على ذبح أقلام زملائه – حتى لو اختلف معهم – يمكن أن يكون منجاة في الدنيا والآخرة، وإلى كل مواطن يسعى للعمل بكل ما في وسعه، من أجل بلاد لا تصادر الرأي، ولا تعتقل الكلمة، ولا تفتش في الضمائر.. إلى كل هؤلاء أهدى بلال فضل القصيدة التالية للشاعر محمود درويش. ولأن القصيدة في غاية الروعة، وتحكي عن الواقع العربي بشكل دقيق، سأجعلها هنا لب المقال..
لم تكن أكثر من وصف.. لميلاد المطر
ومناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجر
فلماذا قاوموها؟
حين قالت إن شيئاً غير هذا الماء
يجري في النهر؟
ولماذا عذبوها
حين قالت إن في الغابة أسراراً.
وسكيناً على صدر القمر
ودم البلبل مهدور على ذاك الحجر؟
ولماذا حبسوها
حين قالت: وطني حبل عرق
وعلى قنطرة الميدان إنسان يموت
وظلام يحترق؟
غَضب السلطان
والسلطان مخلوق خيالي
قال: إن العيب في المرآة،
فليخلد إلى الصمت مغنيكم..
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد.. وجريده
أخبروا السلطان،
أن الريح لا تجرحها ضربة سيف
وغيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيف
وملايين من الأشجار
تخضر على راحة حرف!…
أخبروا السلطان،
أن البرق لا يحبس في عود ذره
للأغاني منطق الشمس، وتاريخ الجداول
ولها طبع الزلازل
والأغاني كجذور الشجره
فإذا ماتت بأرض،
أزهرت في كل أرض
كانت الأغنية الزرقاء فكره
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمره!
كانت الأغنية الحمراء جمره
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثوره!
قصيدة تختصر فعلاً واقع الشعوب العربية وسلاطينها.. إلى أن أحرقت جمرة البوعزيزي تلك السلاطين، ومن دار في فلكها.
وبقي على الشعوب لكي تتحرر بالكامل أن تحرق أشباه السلاطين الذين يتكالبون اليوم لالتقاط شعلة السلطان التي أخمدها الربيع العربي!
أشباه الإسلاميين، من تيارات الإسلام السياسي وبقايا فلول الأنظمة ومن يناصرهم من قوى الغرب.. هؤلاء هم السلاطين الجدد الذين سيثور الشارع العربي من جديد لمواجهتهم.
