إعادة إنتاج الحرب الباردة

إعادة إنتاج الحرب الباردة
أعادت أحداث أوكرانيا الحديث من جديد عن عودة الحرب الباردة التي أنهاها سقوط جدار برلين في العام 1989، وتنبأت العديد من المصادر الإخبارية باحتمال عودتها، وكان منها الموقع الإخباري لقناة “سي إن إن”، الذي ذكر أن هناك حرباً باردة جديدة بين روسيا وأمريكا، بدأت في سوريا، ثم انتقلت إلى مصر، والآن حطت في أوكرانيا، ولا يعلم أحد ما هي المحطة الرابعة بعد ذلك.. فرغبة الرئيس الروسي بوتين في الحفاظ على نفوذ بلاده في الشرق الأوسط لا تنحصر في سوريا فحسب، فقد سبق أن التقى المشيرعبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية المصري، في ما يبدو أنه رسالة لأمريكا، مفادها أن لروسيا نفوذاً لدى أكبر دول المنطقة من حيث النفوذ والسكان، وأنها على استعداد لتوطيد علاقتها العسكرية معها.
هناك تكهنات يبدو بعضها أقرب إلى الحقيقة، تقول بأن هناك إعادة إنتاج للحرب الباردة، ولكن بهيئة وتحالفات ولاعبين مختلفين بعض الشيء.
والمخيف هنا ليس في عودة هذه الحرب وحسب، وإنما عودتها بحلة جديدة تحكمها تطورات العصر، وتكنولوجيا الحروب وصناعة الأسلحة الكيماوية، وانتهاء عقلية الحرب التقليدية التي كان أغلب ضحاياها من الموجودين في الجبهات القتالية فقط.
قد تتعدد أسباب الحروب ومسبباتها، لكنها تلتقي في نهاية الأمر عند عنصر الاقتصاد والمال، والصراع الآن حول أوكرانيا لا يختلف كثيراً في دوافعه وأسبابه، فأوروبا تعيش اليوم أزمة اقتصادية خانقة، وتداعيات انهيار دول اليورو أصبحت عبئاً على دول أوروبية، كألمانيا مثلاً، لذلك ومن الطبيعي جداً أن يُثير رفض الرئيس الأوكراني السابق توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وتوقيع اتفاقية شراكة مع موسكو، المخاوف، وفي أن تتفجر أحداث أوكرانيا بشكل يرشحها لأن تتطور إلى المواجهة العسكرية.
أحداث أوكرانيا لا تختلف كثيراً عن أحداث سوريا، من حيث تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين في مشهد الصراع الدائر، وهو مشهد يُعيد إلى الذاكرة مشاهد صراع سابقة في أمريكا اللاتينية وأجزاء من شرق آسيا، حين قرع قطبا النزاع آنذاك، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة طبول الحرب في أكثر من دولة وبقعة، ولتُشكل في ما بعد الحرب الباردة، ما لم تدركه آليات واستراتيجيات الحرب العالمية الثانية التي دمرت أوروبا.
وسواء في سوريا أو أوكرانيا أو العراق أو غيرها من بؤر الصراع اليوم، فإن الدلالات كلها تشير إلى إعادة إنتاج للحرب الباردة التي تصوّر العالم أن انهيار الاتحاد السوفيتي قد شهد نهايتها، وأن نهاية العالم ثنائي القطبية ستبشّر بعالم بلا حروب ولا نزاعات، وإذ بالأحداث ترتد بنا إلى الأسوأ، وإلى بوادر حرب باردة ستكون حتماً أكثر شراسة، في ظل تكنولوجيا لا تعترف بتقاليد الحرب القديمة، وأسلحة متطورة فتاكة قد تدمر الأرض بشكل غير مسبوق.
