إضاءات تركي

إضاءات تركي
في ظل أجواء إعلامية مشحونة بالتشنج والطرح البعيد كل البعد عن الموضوعية والرؤية الثاقبة، وفي ظل سيادة برامج هجومية وعدوانية كبرنامج الحوار المعاكس وغيره من شجارات على الهواء، ولا نقول حوارات لأنها بعيدة كل البعد عن تقاليد الحوار المتعارف عليها! في ظل كل هذا لن يستطيع أحد أن يغفل برامج حوارية راقية وهادفة أعادت إلى الحوار اتزانه وروحه وعقلانيته.
برنامج “إضاءات” الذي يقدمه الإعلامي الشاب تركي الدخيل هو بلا شك إضاءة جديدة وعلامة فارقة تذكرنا بالمنزلق الخطير الذي تدحرجت فيه أدبيات الحوار ليس على المستوى الإعلامي وحسب وإنما في كل المجالات! وتحذرنا من الاستمرار في التدحرج نحو الهاوية إن استمرت لغة الحوار على هذه الدرجة من الانحطاط في الطرح والنهج، وعلى الرغم من إن “إضاءات” تركي الحمد قد سلطت نورها على شخصيات عامة وخاصة وطرحت قضايا فكرية واقتصادية وفنية، فإن إضاءة تركي الدخيل التي استضاف فيها المخرجة السعودية هيفاء المنصور اتسمت بالخصوصية لكونها قدمت نموذجاً رائعاً لمستقبل واعد للمرأة الخليجية بشكل عام.
هيفاء المنصور ابنة الأديب والشاعر السعودي عبدالرحمن المنصور الذي اشتهر بتقديم التفعيلة الحرة للشعر السعودي، شاركت في العديد من المهرجانات السينمائية وقدمت أفلاماً مثل “الرحيل المر” و”أنا والآخر”، الذي يعالج قضايا التعدد الفكري، واجه فيلمها الرابع “نساء بلا ظل” ضجة كبيرة حين قدمت هيفاء في مقاطع صورتها للشيخ عايض القرني يقول فيها إن وجه المرأة ليس بعورة، وهو ما يناقض حديثاً للشيخ نفسه في الثمانينيات يحرم فيه كشف المرأة وجهها!
في لقائه معها تطرق تركي الدخيل لتلك الضجة التي أثارها فيلمها الرابع، بالإضافة إلى قضايا أخرى حساسة!
أفلام هيفاء المنصور تتناول قضايا متعلقة بالمرأة، حيث تناولت في فيلمها الأخير كيف يمكن للمجتمع أن يغير المرأة وأن عملية الحراك الاجتماعي تدفع المرأة إلى الأمام وكيف أن المرأة هي التي لا تزال متمسكة بالتقاليد ورافضة للتغيير.
وإذا كانت أعمال هيفاء المنصور إبداعية، كما يعلق على ذلك الذين شاهدوا أفلامها، فإن إبداعها الأول كامرأة في مجتمع تغيب عنه دور السينما يعود إلى كونها استطاعت أن تتجاوز المحظور في عرف الآخرين وتنطلق في ملكوت الإبداع السينمائي والفني والذي لايزال مجالاً بكراً، خاصة في مجتمعاتنا الخليجية التي لا ترى في العمل السينمائي شيئاً أكثر من كونه أسلوباً لخلق بدائل ترفيهية، ولكن ثانوية في أثرها على المجتمع.
لقد أثبتت نجاحات هيفاء المنصور أن لا مستحيل أمام الإرادة الحرة والرؤية الثاقبة، مؤكدة بذلك أن المرأة في أغلب الأحيان تكون هي عدوة نفسها، بمعنى أن رفضها الخوض في ما أصبح عرفاً ضمن ملكية الرجل هو الذي أدى إلى انغلاقها وضعف تواصلها مع مجالات كثيرة في المجتمع.
بلا شك، ستواجه هيفاء المنصور عقبات كثيرة في طريقها الذي رسمته لنفسها ولإبداعاتها ليبقى فيما بعد إنجازها الأول والأهم في كيفية تجاوز تلك العقبات التي ستواجهها، ولتستمر هيفاء المنصور إضاءة في مشوار الإضاءات المستمر عبر خارطة الخليج.

