إسلام بلا خوف

إسلام بلا خوف
التقرير الذي نشرته “القبس”، في عددها الصادر بتاريخ 30 سبتمبر المنصرم، حول كيفية نشأة “جماعة طالبان” وعن الزعيم الروحي للحركة الملا محمد عمر، هو ولا شك تقرير مخيف وخطير، لأنه أولاً يعكس جانباً من نشأة الكثير من الحركات والجماعات الإسلامية الضالعة في عالمنا اليوم، ولكونه ثانياً، يقدم ترجمة خاطئة في مغزاها ومعناها للإسلام كدين وعقيدة سمحاء وغراء.
فبحسب التقرير، فإن جماعة طالبان قد نشأت أساساً إثر مهاجمة الملا محمد عمر هو و40 طالباً من زملائه لقافلة مخطوفة يشرف عليها ضابط باكستاني يرافقه عدد من المساعدين بينهم أربع فتيات كانت في طريقها من كابول إلى تركمانستان، واستطاع الملا عمر تخليص القافلة والفتيات، مما جعل وزير الداخلية الباكستاني آنذاك نصير الله بابر ينتبه إلى هؤلاء (الطلاب)، ويقرر الاستفادة منهم فيتبناهم شخصياً، لتبدأ المخابرات فيما بعد دعمهم وتدريبهم على الأسلحة الثقيلة والدبابات! وتضاعفت قوة طالبان في فترة وجيزة لتصبح من 40 فرداً إلى 50 ألف مقاتل، احتلت في غضون عامين العاصمة كابول، ثم بايع الأفغان في عام 1998 الملا عمر أميراً للمؤمنين، من سماته الرئيسية أنه متصلب لا يؤمن بالحلول الوسط إطلاقاً!
المخيف في رواية نشأة طالبان هو ذلك التشابه الواضح بين نشأتها ونشأة الكثير من جماعات وجمعيات الإسلام السياسي في الوطن العربي، مما ينفي عن أغلبها الجانب الروحاني والعقائدي من الدين ليتلخص نشاطها وكذلك دورها في الجانب السياسي البحت! ولتكون أدواتها دائماً تلك الحلقات الأضعف في المجتمع.
ففي مصر دخل الإسلام السياسي مع مرحلة حسن البنا، التي شهدت فيها مصر تحولاً كبيراً من عالم القرية إلى عالم المدينة، مع ما أفرزه ذلك الوضع من مشاكل اجتماعية واقتصادية وفكرية بسبب صعوبة التأقلم لدى فئات بشرية عديدة خاصة محدودة الدخل والفكر.
لذا فقد استقطب فكر الإخوان في بدايته تلك الأمواج من البشر بما قدم من حلول نظرية لأزماتهم الاجتماعية! أما المرحلة الثانية فقد جاءت بعد هزيمة حزيران 1967، حيث استطاع الإسلام السياسي استقطاب قطاعات واسعة من الشباب الذي اهتزت ثقته في النظم الحاكمة وممارساتها وأيديولوجياتها.
لقد شكلت حلقات المجتمع الأضعف كالطلبة والشباب وذوي الدخول المتدنية، مدخلاً رئيسياً وسهلاً لتيارات الإسلام السياسي سواء أكان ذلك في مصر أو في غيرها من العالمين العربي والإسلامي، فكما استعان الملا عمر بأولئك الطلبة ليشكل معهم حكومة طالبان، استخدم التيار الإسلامي في الكويت طلبة المدارس والجامعات لينشر من خلالهم أهدافه وبرامجه، مما ساهم وبصورة مباشرة في ولادة العشرات من الجمعيات الإسلامية التي تمارس أنشطتها (الخيرية) في دول كأفغانستان التي لا يبدو أنها قد استثمرت تلك العائدات الخيرية بصورة جيدة، فعلى الرغم من كل تلك الملايين التي ذهبت على شكل تبرعات لأفغانستان وغيرها، إلا أننا لم نرَ أثراً لها سواء في مؤسسات أو مدارس أو مستشفيات، فكل ما نراه لا يتعدى أطلالاً ورمالاً وخراباً!
مؤسف جداً أن تنصب جماعة كطالبان نفسها متحدثة باسم الإسلام والمسلمين! لكن ذلك وبكل أسف أصبح واقعاً عمَّ العالم، وهو واقع حرج وخطير يتطلب وقفة فورية وحازمة من المؤسسات الإسلامية المعتدلة والحقيقية بإسلامها وتوجهاتها لإعادة الصورة الجليلة للإسلام بعد أن شوهها هؤلاء المتمردون والخارجون عن الأعراف والحس الإنساني! فالسلام دين سلام، نهى رسوله c عن اقتلاع شجرة وعن قتل طفل أو امرأة، والإسلام هو الدين الذي ساوى قاتل النفس بمن قتل الناس جميعاً! ورسول الإسلام هو الذي عفا عن الكفار يوم دخل مكة فاتحاً وأطلق مقولته الشهيرة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”! الإسلام هو دين الأمن والأمان، ورسوله هو الذي دعا بأن من “دخل دار أبي سفيان فهو آمن” على الرغم من اختلافه مع أبي سفيان! الإسلام هو دين الطمأنينة وليس الخوف والعزلة عن الناس في كهوف منغلقة ومنزوية في جبال أفغانستان.
