ملفات ساخنة

إدارة التوحّش

[جريدة القبس 24/11/2015]

“أبو بكر ناجي”، شخصية غامضة جدّاً، ويقال إن هذا الاسم هو اسم حركي، لشخص كان هو المسؤول الأول عن الشؤون الأمنية والاستخباراتية لتنظيم القاعدة!
قد لا يهم الاسم ولا المنصب كثيراً هنا، لكن المهم هو ما أنتجه فكر هذه الشخصية الغامضة عبر كتاب تحت عنوان “إدارة التوحش”، والذي هو الآخر بلا مرجع، أي لا يوجد له تاريخ إصدار محدد، وكما لو أن كاتبه أراد أن يقول إن محتوى الكتاب أهم من اسم كاتبه وهويته، ومن تاريخ إصداره!
تقول المصادر الكثيرة التي تناولت هذا الكتاب إن صدوره قد تزامن مع التحوّلات الاستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية، وذلك بالتحوّل من مقاتلة “العدو القريب” المتمثل في النظم السياسية العربية والإسلامية التي تصفها بالمرتدة إلى مقاتلة “العدو البعيد” المتمثل في الغرب عموماً، والولايات المتحدة، أو كما يسمونها “رأس الأفعى”، وإسرائيل على وجه الخصوص!
كلمة “التوحّش” التي أتت في عنوان الكتاب تعني الفوضى أو الفراغ الذي سيحدث مع إزالة الأنظمة الحاكمة، وبالتالي تكون “إدارة” هذا التوحش من المهام الأولى لـ “القاعدة”! وأن يقيموا “إمارة” في المناطق التي يسيطرون عليها، يطبق فيها “الشرع” و”الحدود” وغير ذلك من أسس إقامة “دولة الخلافة”، كما يسميها “داعش” ومشروع “التمكين”، وفقاً لمشروع “الإخوان المسلمين”، الذي خرج من رحم نهجهم وتعاليمهم وأحلامهم كل المشاريع الأخرى التي تشهدها الساحة العالمية اليوم!
الكتاب قسّم مراحل العمل الجهادي إلى ثلاث مراحل: الأولى أسماها الكتاب شوكة النكاية والإنهاك، أما الثانية فهي مرحلة إدارة التوحّش، لتأتي الثالثة، وهي التمكين، الذي يعني إقامة الدولة الإسلامية!
وهو أي (الكتاب) تمت ترجمته إلى اللغة الإنكليزية، وتم توزيعه على مسؤولين وضباط وأجهزة استخبارات في الإدارة الأمريكية! لكن يبدو أنه ككتاب وكفكر لا يزال بعيداً عن المعالجة الصحيحة لما جاء فيه، والدليل حجم العمليات العسكرية التي لا تزال تقوم بها ما يقارب 60 دولة لمحاربة “داعش” في العراق وسوريا!
العمليات العسكرية والأمنية لن تنجح في القضاء على “داعش”، فهو ليس جيشاً ولا جهاديين، ولا تكفيريين ولا متطرفين فقط، بل هو فكر بالدرجة الأولى، وهو فكر أصبح عابراً للحدود الجغرافية والثقافية، ولعل أحداث باريس الأخيرة خير دليل على ذلك!
العمليات العسكرية لا يمكن أن تعالج تهديدات “داعش” وغير ذلك، فهذه مهمة تتعلق أولاً بمحاربة الأيديولوجية والمفاهيم التي نشأت عليها مثل هذه الجماعات، وأصبحت تصدرها إلى خارج حدودها، حيث “عدوها القريب” لتصل إلى “عدوها البعيد”، وفقاً لما ورد في أدبيات “إدارة التوحّش”!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى