ملفات ساخنة

أتاتورك.. والإخوان

[جريدة القبس 7/6/2021 (1) المقال بعنوان: التيار الإسلامي صامد رغم التحديات، نشر في جريدة القبس الكويتية ومجلة المجتمع بتاريخ 1 يونيو 2021.]

أتاتورك.. والإخوان

هذا مقال لا يحمل صفة ولا نيّة الدخول في سجال مع الأخ الفاضل مبارك الدويلة، ولا هو بِرَدّ على ما وَرَد في مقاله المنشور في القبس بتاريخ 1 يونيو 2021(1)، وإنما هو محاولة متواضعة وبسيطة لاستعراض الضفة الأخرى من التاريخ التي تجاهلها الأخ الدويلة وهو يستعرض إنجازات ما أسماه بالتيار الإسلامي منذ ظهور حركة الإخوان المسلمين.
يَتحسّس الإخوان دائماً من ذِكر “كمال أتاتورك” ويفخرون بنهج “أردوغان” الذي يرون فيه امتداداً للصحوة المزعومة، والتي يوثّقون لها مع بداية مشروع الإخوان في عام 1928، وأن هذه “الصحوة” الإسلامية قد أعادت الروح إلى شعوب العالم الإسلامي بعد أن عبَث بها مشروع أتاتورك العلماني، وتم إحياء العبادة في المساجد بعد أن كانت مُقفِرة، وعادت العباءة والحجاب ليزيّنا النساء بعد أن كاد الحياء ينحَسِر، وغير ذلك مما ورد في مقال الأخ مبارك الدويلة! لكن هذه لم تكن إلا الضفة المواجهة للإخوان من التاريخ، في حين تحمل الضفة الأخرى تفاصيل مختلفة، قد تفوق في أهميتها وانعكاسها على شعوب المنطقة حجاب المرأة أو عباءتها، فأتاتورك هو الذي أسَس وأرسى دعائم الدولة في تركيا قبل أن يطأها الإخوان، وهو الذي قاد ونجح في قيادة حرب ثورية ضد محاولات تقسيم تركيا بين الأرمن والأكراد والدول الغربية، كما أرسى الملامح الأساسية لتركيا الحديثة والتي شملت كل مجالات الحياة فيها، ووضع أسس مسيرة تطور تركيا باتجاه مجتمع ناضج قائم على الانفتاح ونظام ديمقراطي غربي يستند إلى اقتصاد السوق. كان مشروعه باتجاه ثورة ثقافية حقيقية، لكن ملامح الدولة الحديثة التي أرساها “أتاتورك” وإلغاءه للخلافة في عام 1924، كانا الخطوة التي ألّبت عليه في ما بعد الإخوان وغيرهم، إلى أن تمّت أسلمة تركيا على يد “أردوغان” وتحولت من مشروع نهضوي ثقافي، إلى بازار يبيع كل المواد الاستهلاكية التي تُغذي الجسد لا الروح ولا العقل.
أما الضفة الثانية من التاريخ والتي استعرضها الأخ “الدويلة” فقد كانت في قوله إن الغرب قد حاول قمع أذرع الصحوة، مستشهداً هنا بحرب التحرير في أفغانستان كما وصفها، والتي رسّخت الصبغة الإسلامية الجهادية، وهو ما تنفيه أخبار ضفة التاريخ المواجهة والتي تُشير إلى أكذوبة الجهاد في أفغانستان، وأن الحرب فيها، والتي راح ضحيتها أبرياء ومدنيون، لم تكن سوى جبهة مواجهة سياسية وعسكرية بين المعسكرين الأقوى آنذاك، الاتحاد السوفيتي من جهة، وأمريكا من الجهة الأخرى، بينما لم يكن نصيبنا نحن سوى خرافات نشطت في بثّها آلات الصحوة الإعلامية حول جثث الشهداء التي كانت تخترق قانون الطبيعة، فلا تَتَحلّل بل تنبعث منها روائح المسك والعنبر، ولا يزال العالم العربي يعيش تبعات ذلك التجهيل المُتعَمّد من قِبَل إعلام “الصحوة”. نرى ذلك واضحاً فيما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي، حيث ساد الجهل والعنف والتطرف محل العلم والثقافة والتسامح.أما الادعاء بِقَمع الغرب للصحوة وأهلها فقد أجابت عنه الكثير من الكتب والأحداث، أحدها كان كتاب “مارك كيرتس” بعنوان “شؤون سرية”، والذي نشر فيه مئات من الأمثلة المدعومة بعشرات من الوثائق السرية التي تُشير إلى أن حركات الإسلام السياسي من إخوان وسلف وغيرهم من بلدان العالم، قد كانوا ولأكثر من ستين عاماً لعبة في أيدي المخابرات الأمريكية والبريطانية، التي وظّفت هذه الجماعات لتحقيق وخدمة مصالحها في مختلف الدول، وقد أكّد الكاتب نفسه خصوصاً بعد إجهاض ثورات الربيع العربي أن تحالفاً بين النخب العالمية والإخوان المسلمين أو على نحو أدق التواطؤ بين النخب السياسية البريطانية والإخوان ليس مجرد تحالف تاريخي انتهى أمره، بل هو تعاون ما زالت أسبابه قائمة خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
لذلك يأتي استشهاد الأخ “مبارك الدويلة” في مقاله بأن الربيع العربي قد كان كالإنذار لأجهزة الاستخبارات الدولية من خطر “المارد الإسلامي” لِيَرفَع أكثر من علامة تعجّب واستفهام هنا!
لم أرغب على الإطلاق في أن أدخل في سجال أو جدل مع الأخ “مبارك الدويلة”، يقينا مني بأن لِكُل رأي حُرمَته ولكل وجهة نظر حقاً، ولأي تيار سياسي، وبغض النظر عن وجهته، مطلق الحرية في الحركة والتواجد والطرح، لكننا اليوم جميعاً، ودون استثناء، مطالبون بالدفاع عن التاريخ، والتفاعل كتابة أو قولاً عند كل محاولة أو كتابة غير مُنصِفة له، بمعنى أنها تأتي بنصف الحقيقة وتحجب ما لا يتلاءم معها من النصف الآخر! لذلك فليعذرني الأخ “الدويلة” إذا ما خالفته في فحوى عنوان مقاله، فالتيار الإسلامي صامد لأنه وببساطة يَقمَع من يواجهه وليس العكس، ويرفض بل ويُكفّر ضفّة التاريخ المُقابلة.

اقرأ أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى